فيما كان البرق يلمع بشكل رهيب والرعد يقصف بصوت مدو والمطر ينهمر بشدة..
وقفت هدى خلف زجاج النافذة ترقب حبات المطر وهي تنزلق على لوح الزجاج الواحدة تلو الأخرى مخلفة وراءها خيطا رقيقا من الماء أتاها صوت من خلفها:
- هدى أرجوك اشعلي المدفأة فالبرد أضحى شديداً .. ائتمرت هدى لطلب اختها وفاء ومن ثم عاودت وقوفها نحو النافذة.. مضت لحظة صمت قطعتها وفاء قائلة: هدى .. ماذا لدينا للعشاء؟
ان نفسي تتوق في هذه الليلة الباردة إلى عشاء ساخن يدخل الدفء إليها.. هدى لا زال الوقت مبكراً فلنذهب إلى المطبخ لنعد شيئاً نأكله..
قالت هدى وهي تبتعد عن النافذة لترتمي على الأريكة: سأعده معك لكن لن أذوقه..
قالت وفاء مندهشة: هدى ما بك تبدين لست كعادتك, قالت هدى لا شيء.. لا شيء..
قالت وفاء وهي تبدي اهتماماً: بل بك شيء انك لست على ما يرام .. فهلا أخبرتني عما يجيش في صدرك يا أختي ..؟؟
قالت هدى ولم تجد بدا من مصارحة أختها عما يعتمل في صدرها: وفاء .. أنت تعلمين انه لم يبق على انتهاء السنة الدراسية الا حوالي شهرين أو أقل وأنا خلاص قد قررت عدم الدراسة في السنة المقبلة إن شاء الله.
هبت وفاء واقفة على قدميها اثر كلام أختها وقالت: ولم يا هدى تتركين الدراسة؟ هل قصرت عليك بشيء لا سمح الله ؟؟
قالت هدى وهي تنظر في عيني أختها: معاذ الله يا أختي ان تقصري على شيء, ولكن أنت تعلمين انه من يوم ان مات والدانا في الحادث المروع الذي ذهبا ضحيته وأنت قد جعلتي من نفسك الأب والأم لي وتركت الدراسة وامتهنت التدريس لكي تؤمني لي العيش وحتى تضمني لي مواصلة الدراسة. قالت وفاء: أنا لا أقوم الا بواجبي تجاه أختي.. وأنت مسؤولية ملقاة على عاتقي وعلي واجب الرعاية والمحافظة عليك.. فما الذي يا ترى ترمين إليه ؟؟
قالت هدى وهي تتنهد: أنا لن أدرس يا أختي سأكون مثلك مدرسة وأساهم معك في مصاريف البيت وشؤونه.. كفاك يا أخت تعبا فليس من الصواب أن تكدي وتجهدي نفسك من أجلي وتدفعين إيجار هذا البيت الصغير من مرتبك .. قالت وفاء وهي تلمح الدمع يترقرق في عيني هدى: أنا لن أسمح لك يا هدى في يوم من الأيام أن تتركي الدراسة .. ثم من قال اني أتعب في عملي.. أنا سعيدة به.. إني أجد به لذة, ويكفيني شرفاً أن يعهد إلي بتعليم تلك البراعم الصغيرة اللاتي سيكن غداً أمهات فاضلات في المستقبل.. ونحن ليس لنا أقارب لا من بعيد ولا من قريب وعلي أن أحافظ على عملي بضمير نقي وأشعر بالمسؤولية تجاهه حتى نأكل الرزق الحلال.. قالت هدى وهي مرخية برأسها نحو الأرض: ومع هذا فلن أرجع عما انتويته وعندما رأت وفاء إصرار أختها قالت مبتسمة: وإذا أخبرتك يا هدى خبراً لا شك انه يسرك فهل ترجعين عن قرارك؟
أجابتها هدى: قولي وسنرى .. قالت وفاء وقد غلب عليها الحياء: منذ أسبوع أتتني جارتنا أم محمد وطلبت يدي لابنها أحمد عبدالرحمن.. هبت هدى لدى سماعها قول أختها جذلة وقالت: ألف مبروك يا وفاء.. قالت وفاء: الحقيقة يا هدى إنني لم أوافق مبدئياً.. تساءلت هدى: ولم يا وفاء؟؟ فأحمد عبدالرحمن شاب مثقف ومن عائلة محترمة وأمه عجوز طيبة جدا.. قالت وفاء: أنا لا أنكر ذلك ولكنني لا أريد أن أتخلى عنك وأمنح حبي لشخص سواك. أقبلت هدى على أختها وطوقتها بكلتا ذراعيها في حنان ومودة وقالت بورك فيك يا أخت وفية ولكن لن أسمح لنفسي أن أكون حجر عثرة في طريق سعادتك.. قالت وفاء: لقد أتتني بالأمس أم أحمد وأخبرتني أنها عرضت الأمر على ابنها فقال انه بإمكان أختها أن تكون معها فيما إذا قبلت بالزواج.. وإلى الآن يا أختي لم أقرر شيئاً حتى آخذ رأيك فما قولك؟؟ أجابتها هدى: لا يا أختي لن أكون عالة على أحد, تزوجي وأتمنى لك السعادة وسأبقى في هذا البيت وسأمتهن التدريس.. قالت وفاء: لن تكوني يا أختي عالة على أحد فستكونين في بيت أختك وهناك ستدرسين وأما إذا رفضت فيؤسفني أنني سأضطر إلى التضحية بهذه الفرصة الثمينة في سبيلك.
قالت هدى وهي تطبع قبلة أخوية على وجنة أختها: حسنا يا وفاء لقد قبلت ذلك وإني لسعيدة جدا..
تنهدت وفاء وألقت بنفسها على الأريكة قائلة: وأخيراً ارتاح بالي..
قالت هدى: أتعلمين يا وفاء .. أجابتها وفاء: أعلم ماذا؟؟ قالت هدى: لقر انفتحت شهيتي للطبق الساخن فهيا بنا نعده فالوقت بات متأخراً.. ابتسمت وفاء وقالت وهي تنهض: هيا بنا وشبكت يدها في يد أختها وانطلقتا ضاحكتين في مرح وسعادة نحو المطبخ.
|