Thursday 22nd January,200411438العددالخميس 30 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بصراحة بصراحة
مسيرتنا للإصلاح.. وحوارنا الوطني.. وثقافة التسامح
لبنى وجدي الطحلاوي(*)

إن مؤتمر الحوار الوطني الثاني الذي عقد في مكة المكرمة من 6 إلى 8/11/1424هـ كان حوارا حضارياً حقيقياً، وكل ما دار من نقاش داخله أو حوله وحتى التعليقات الكثيرة التي انطلقت بعد المؤتمر هي دليل دامغ على إيجابيته الكبيرة، وتعزيزه لثقافة الحوار والتعددية الفكرية وإيماننا بالرأي الآخر والانفتاح على الآخر، والبحوث التي قدمت من النخب الفكرية والسياسية كانت متنوعة ومثرية وعلى درجة كبيرة من الأهمية وتشكل حافزا مهما لدفع عجلة الحوار ووضع الآليات العملية المناسبة لتفعيل التوصيات التي اتخذت وتطبيقها عمليا على أرض الواقع والتي هي محصلة جهد 75 باحثاً ومفكراً وعالماً بينهم 10 سيدات تصب جميعها في النهاية لمصلحة الوطن وأبنائه من أجل المحافظة على اللحمة الوطنية، وتجفيف منابع الغلو والتطرف والإرهاب... ونحن نثمن كثيراً ما أعلنه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، بأن محاور مؤتمر «الحوار الوطني» القادم ستكون «المرأة السعودية» و «التعليم».
فالمرأة السعودية تلمس بنفسها حجم الإنجازات التي تحققت من أجلها وتدرك مدى الجدية في تناول كل ما يتعلق بها من شؤون وفق مسيرة الإصلاح، وتدرك جيداً الأهمية والمكانة التي تحظى بها لدى كافة المسؤولين وأولي الأمر، فلقد تم تأنيث بعض الوظائف الحكومية، والمرأة السعودية اقتحمت هيئات وقطاعات جديدة في الدولة، وما يتحقق على أرض الواقع يفوق ما ينشر هنا وهناك ويفوق بكثير ما تذكره وسائل الإعلام الخارجية.
وقضية «تطوير التعليم ومناهجنا الدراسية» ينبع من رغبة صادقة للنهوض والارتقاء بأبناء هذا الوطن، لمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي لهذا العصر، فهذه خطوات إيجابية وضرورية ضمن الإصلاح فمنذ سنوات عديدة والنخب في عالمنا العربي تنادي بتطوير التعليم والمناهج الدراسية وتحكم على الأسلوب الحالي في التعليم وما يتضمنه من مناهج بالعقيم، لعدم قدرته على إبراز وتنمية الطاقات الإبداعية لدى الطالب وتطوير إمكانياته وتشجيع ما لديه من مواهب إبداعية، علمية كانت أم ثقافية، لعجز نظام التعليم الحالي على تلمس أو اكتشاف القدرات الحقيقية لدى الطالب المبدع أو الموهوب لاستثمارها وتنميتها، وبذلك هناك هدر كبير للطاقات المبدعة والفذة لأبناء الوطن. إن تطوير مناهجنا التعليمية ينبع من مبدأ الارتقاء بأنفسنا، ضمن مسيرتنا الجادة في الإصلاح، والتي تشمل كافة جوانب حياتنا، ونموذج الإصلاح الذي نتطلع إليه، نموذج حضاري، خاص بنا، نحن من يصنعه، لا يفرض علينا ولا يملي علينا من الخارج، والنموذج الغربي لا يمثل قدوة لنا... فكما ذكرت وأذكر دائماً، لنا خصوصيتنا التي تعتز بها كثيراً، بل ونتمسك بها كثيراً لأنها تخضع لثوابت دينية لا تتعارض مع مفهومنا للتطور، وفق مسيرتنا للإصلاح لم يكن الإسلام يوماً معيقا للتطور والانفتاح بل على العكس تماما فمن يحجم الشرع هو من يحجم التطور والانفتاح، ومن يحجم الشرع يحجم حقوق المرأة، ومن يحجم الشرع يحجم الحقوق والواجبات للشعوب والأفراد... ومسريتنا لابد أن تسير بخطا ثابتة ومدروسة وبتأنٍ وروية وفق مراحل متتالية ومتدرجة وكل مرحلة لابد أن تستغرق الوقت الكافي والمناسب لها، فلا يمكننا حرق المراحل والقفز فوق بعض المراحل وتعدي مرحلة على حساب الأخرى...
أما قضية«ثقافة التسامح»، التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة من قبل المسؤولين في الإدارة الأمريكية والإعلاميين أيضاً في أمريكا ولاسيما الصحفيين، بأنهم يرغبون في أن يتعلم العرب والمسلمون ثقافة التسامح ويمارسون التسامح، ففي الحقيقية وعلى أرض الواقع، نحن لم نلمس أي ثقافة تسامح يمارسها الجانب الأمريكي مع العرب والمسلمين، فلم يكن غزو أفغانستان الذي كان في شهررمضان شهر الصوم ومن الشهور الحرم لدى المسلمين والذي قتل الآلاف من المدنيين الأبرياء من بينهم أطفال ونساء ومسنون، وتجاهل مشاعر مليار ونصف المليار مسلم في العالم، من أجل مطاردة رجل واحد، يدل على أي تطبيق لثقافة التسامح تلك، التي يتحدثون عنها، ولم يكن غزو العراق وقتل الآلاف أيضاً من المدنيين الأبرياء وتدمير بنيته التحتية من أجل رجل واحد، يدل على أي من ثقافة التسامح تلك المزعومة، والتهديد والوعيد لدول المنطقة العربية والإسلامية لا يعبر عن أي تسامح، وقانون محاسبة سوريا الذي تبناه الكونجرس واعتمده الرئيس بوش لمعاقبة سوريا بأثر رجعي وتهديد إيران وباقي دول المنطقة تباعا لايدل على أي تسامح لدى الجانب الأمريكي، وممارسات إرهاب القوة الذي وصل ذروته في عهد الرئيس الأمريكي الحالي بوش أبعد ما يكون عن كلمة تسامح، فأن يتحدث أي مسؤول في أمريكا عن ثقافة تسامح هو منتهى التبجح..... ويثير الاشمئزاز، إن الثقافة الفعلية التي تنشرها أمريكا في العالم الآن هي ثقافة إرهاب القوة وقوانين الغاب «البقاء للأقوى والأكثر فتكا...» وتاريخ أمريكا كله لم يشهد ثقافة تسامح ويشهد بذلك الملايين من الهنود الحمر الذين أبادتهم وملايين الزنوج ذاقوا ويلات العبودية والرق والتفرقة العنصرية عقوداً من الزمن، وتشهد على ذلك أرواح الآلاف من المسلمين الأبرياء الذين قتلتهم في أفغانستان والعراق وما يحدث في العالم اليوم من عنف وتطرف وإرهاب هو وليد الظلم والسياسات الخاطئة التي تجاهلت الحقوق المشروعة والقضايا العادلة وواجهتها بالفيتو الدائم في مجلس الأمن، ونصرت المعتدي والمحتل وأمدته بكل الدعم اللازم المادي والمعنوي ليتمادى في طغيانه وممارسته لإرهاب القوة، واليوم ليس العرب والمسلمون هم وحدهم الغاضبون والرافضون لتلك السياسة الظالمة بل العالم أجمع عبر عن ذلك بشعوبه وبشخصياته البارزة من رجال الدين والفكر والسياسة... وإن كان من يرفض هذه السياسة والممارسات الأمريكية تعتبره أمريكا محتاجاً لتعلم ثقافة التسامح فلا شك أن الرسالة يجب أن توجهها أمريكا للعالم أجمع الرافض لتلك السياسة والممارسات الأمريكية، وعلى أمريكا أن تقرأ جيداً ماذا حملت مظاهرات الشعب البريطاني من لافتات وعبارات الكراهية والاستنكار للسياسات الخارجية الأمريكية ولقرارات بوش وإدارته والتي عبر عنها عمدة لندن في ندوة صحافية له ليوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2003م بثتها وسائل الإعلام «بأن خطورة بوش ليست فقط في شن الحروب بل في سياساته المختلفة التي ستجعل أجيالا عديدة في المستقبل ستعاني منها قبل أن يتمكن الإنسان من التخلص من نتائج هذه السياسات وانعكاساتها على البشر...»، وعليها أن تقرأ جيداً ما أعلنته المفوضية الأوروبية والمعبر عن رأي الملايين من الأوروبيين في آخر آحصائياتها يوم الاثنين الموافق 3 نوفمبر2003م «بأن الغالبية العظمى من الشعوب الأوروبية طرحت بأن إسرائيل وأمريكا تشكلان أكبر تهديد للسلام في العالم» وعليها أن تقرأ جيداً مظاهرات يوم الجمعة 14 نوفمبر 2003م التي قام بها الآلاف في اليابان احتجاجاً على زيارة رامسفيلد لليابان ورفعوا لافتات تندد بالسياسة الأمريكية كتب عليها «رامسفيلد إرهابي» ويطالبون بالقبض على «وزير الدفاع الأمريكي» ويصفون الرئيس الأمريكي بوش ومعاونيه «بمحور الكذب»...
وعليها أن تقرأ جيداً ما قاله «باتريك بوكانن» المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية في وثيقته الشهيرة التي رفعها للرئيس بوش في 24 مارس 2003م، والذي يتكرر الآن وعلانية في وسائل الإعلام المختلفة على لسان «بول أنيل» وزير الخزانة الأمريكي السابق أو «المستقيل» بمعنى أصح، بأن ما يحدث هو تنفيذ لملفات كانت معدة لمنطقة الشرق الأوسط قبل 11 سبتمبر وهي كما ذكر «باتريك بوكانن» في وثيقته الشهيرة «حرب دولة، هي إسرائيل، وحرب حزب، هو الليكود، وحرب زعيم، هو أرييل شارون».
فبهذا المنطق الأمريكي، على أمريكا أن تتحدث عن ثقافة التسامح مع شعب بريطانيا واليابان وفي كافة دول أوروبا التي خرج منها الملايين في تظاهرات استنكار وغضب ضد السياسة الأمريكية وطالبوا بوقف الغزو الأمريكي للعراق، والتي أدلت برأيها الملايين من شعوبها في تلك الإحصائيات للمفوضية الأوروبية، وربما في أمريكا أيضاً نفسها، لأن في غالبية الولايات الأمريكية خرجت الآلاف تندد بتلك السياسة الأمريكية وتطالب بوقف الغزو للعراق، ولكن الديمقراطية الأمريكية تجاهلت ذلك تماماً وتعدت على إرادة الملايين من أبناء شعبها.... وشعوب العالم ومضت قدماً في سياساتها وبدت للعالم هي وإسرائيل وجهين متطابقين لعملة واحدة، هي إرهاب القوة الذي يطبق قوانين الغاب!!!! أما العرب والمسلمون فثقافة التسامح لن تنسيهم بأنهم أصحاب قضايا عادلة وحقوق مسلوبة وضائعة وأن لهم أراضي عربية محتلة منذ أكثر من نصف قرن تضم مقدساتهم الدينية وحضارتهم وتاريخهم منذ قرون في فلسطين المحتل ولن تنسيهم بأن أوطاناً عربية وإسلامية تعرضت للغزو والاحتلال وأوطاناً عربية وإسلامية أخرى تتعرض للتهديد والوعيد كل يوم، ولن تنسيهم أن بترولهم وثرواتهم يتهدده طمع ونهب الغرباء... إنها أمور تتطلب فقدان ذاكرة لا ثقافة تسامح لنسيانها وتركها..... وتتطلب ثقافة الاستسلام.. لكي نصبح في عداد الأمم البائدة......

(*) عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
عضو عامل بهيئة الصحفيين السعوديين
فاكس6066701 - ص.ب 4584 جدة 21421


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved