Thursday 22nd January,200411438العددالخميس 30 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

فيض الضمير فيض الضمير
«لنحترم أولادنا»
د. محمد أبو بكر حميد

عبارة غريبة سيستغربها الكثير من الآباء والأمهات!! عبارة تبدو غير مقبولة وقد تبدو مستنكرة!! وقد يتساءل البعض بشدة: كيف نحترم أولادنا؟ درج الناس على فهم الاحترام أنه للكبير على الصغير، فكيف يكون للصغير على الكبير؟!
والحقيقة أننا تعودنا في خطابنا التربوي والدعوي أن نتحدث عن حقوق الكبار على الصغار، ولا يتذكر هؤلاء ان للصغار حقوقاً عند الكبار يجب مراعاتها، وبدون تأدية هذه الحقوق لن يتسنى للصغار احترام الكبار الاحترام اللائق بهم.
نريد احتراماً من الصغار بوعي وقناعة وإدراك، ولا نريد أحكام الخوف والتسلط والإرباك، ولعل من أكبر مشاكلنا في التعامل مع أولادنا أننا نطالبهم بالطاعة دون أن نكلف أنفسنا ونشرح لهم لماذا نريدهم أن يطيعونا في هذا الأمر أو ذاك، وإذا سألوا أنكرنا عليهم هذا الحق بالتجاهل أو بالضرب، من حق أطفالنا وأولادنا أن يسألوا لماذا؟ لأن البيت ليس مؤسسة عسكرية ولكن الأجمل والأولى بحق التربية الحسنة ألا تدع لابنك مجالاً للسؤال فتشرح له السبب.
أسئلة الأطفال كثيرة قبل سن البلوغ، وكثير من الآباء والأمهات يتجاهلون الإجابة عن هذه الأسئلة لأنهم يعتبرونها سخيفة أو يعتبرونها أكبر من سن الطفل ويستخسرون الإجابة عليها لاعتقادهم أنه لن يفهم مايقولون.
وبعض الآباء والأمهات ينهرون الطفل إذا سأل، ولا يعيرونه اهتماماً إذا تكلم، فكلامه بالنسبة لهم تافه وبالتالي فلا ينصتون إليه، بل إن بعض الآباء والأمهات يتفاعل مع كلام أولاده باستهزاء إذا ما تكلم الطفل كلاماً غير معقول.
هذه مواقف خاطئة تتكرر في الكثير من بيوتنا أثناء تعاملنا مع أولادنا، وتنعكس عليهم سلباً إذ تجعلهم لا يشعرون بأهميتهم ويشعرون بأنهم لا قيمة لهم ولا لما يقولون فلا يشعرون بتقدير ذواتهم وبالتالي يترسخ في أذهانهم أننا لا نحترم شخصياتهم، وينتج عن هذا أن ينشأ هؤلاء الأولاد - ذكوراً وإناثاً - على ضعف الثقة بالنفس والتردد والخوف والشعور بالنقص والدونية.
فلا عجب إذن إذا كبر أولادنا وأصبحوا رجالاً ونساءً وكبرت معهم هذه العيوب وظلوا يعانون منها اجتماعياً وأخلاقياً ومهنياً


وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه

ليس صحيحاً أن نقول إنهم عندما يكبرون سيتغيرون، وعندما يكبرون سنعاملهم معاملة أخرى، أولادنا في سن الصبا مثل الأرض البكر نستصلحها ونحصد منها ما نزرع فيها.
من حق أولادنا علينا ومن واجبنا نحو أنفسنا أن نوليهم كل اهتمام ونجيب بجدية على كل سؤال، ونشرح لهم الأمور بالجدية نفسها التي نتحدث بها إلى الكبار حتى ولو كان الموضوع أكبر من سنهم لأن هذا يشعرهم باحترامنا لهم، وهذا الشعور بالاحترام يزرع الثقة بالنفس، ويعطيهم القدرة على التحدث معنا في الموضوعات الكبيرة التي نعتقد أنهم لا يستطيعون استيعابها، وهذا يزرع في نفوسهم الجرأة على التعلم والفهم.
إن في تعاليم ديننا الحنيف وثقافتنا العربية الأصيلة ميراثاً عظيماً من القيم والمبادئ والسلوك في أدب التعامل مع الأبناء، ولكننا جهلنا هذا كله ولا نعمل به حتى لو علمناه، وما أكثر الأشياء الحق التي نعلمها ولا نعمل بها في حياتنا.
لو جربنا أن نعامل أولادنا باحترام.. نتخذهم إخوة وأصدقاء - في حدود ما تسمح به الأبوة والأمومة - وصاحبناهم وأنصتنا لهم وأجبنا على أسئلتهم باهتمام وأشركناهم في حياتنا اليومية ليذوقوا معنا المرة والحلوة لحظينا باحترامهم وطاعتهم بقناعة وصدق دون إكراه، ولخلت مجتمعاتنا ممن نسميهم بالمغفلين والأغبياء وضعاف الثقة بالنفس والمنحرفين سلوكياً، فهؤلاء جميعاً لا ذنب لهم إلا أنهم ضحايا أساليب خاطئة في التربية والتعامل بدأت من البيت وامتدت إلى المدرسة والمجتمع والحياة.
فلنحترمهم ولنكن لهم قدوة ثم لننظر كيف يكون احترامهم لنا طاعةً وعرفاناً وحباً.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved