امرأة في مقتبل العمر، وريعان الشباب، وزهرة الصبا، لم تتجاوز الحادية والعشرين من عمرها، مفعمة بالحياة والأمل، يحدوها في طريق الحياة عش الزوجية الطاهر، وبرعمان صغيران يدرجان أمامها، ويسعدان قلبها في كل حركاتهما وسكناتهما.
تربت على الإيمان والفضيلة، وتشرَّب فؤادها بهما حتى كانت كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثالها ومثيلاتها «ناشئة في طاعة الله».
***
هكذا أمضت تلك السنين من عمرها، وكانت تحلم بأن تحيا ما يمتد به الأمل من العمر حياة هانئة تملؤها السعادة، وتزيِّنها المحبة، ويظللها الإيمان، ويكتنفها الأمن والأمان.
كانت كمن تريد أن ترضع صغيريها تلك المبادئ السامية والأخلاق الفاضلة التي تربت عليها وتغرسها في نفسيهما منذ نعومة أظفارهما، وتتطلع إلى اليوم الذي تراهما فيه رجال المستقبل، ولربما شطَّ بها الأمل حتى تراءت أمامها صورتاهما في ليلة زفافهما، ولربما استشعرت على يديها دفء حفيديها منهما.
***
هذه الحياة أصبحت من الماضي، وهذه الأحلام تلاشت وتبددت عندما قررت فيها تلكم المؤمنة العفيفة عقْد «صفقة» عظيمة، أرباحها لا تقدّر بثمن.
أعدت لها العدة، وسارعت بالتجهز، فكان استعداداً عجيباً، لبست للمهمة لباساً ليس كلباس الفتيات، ولفَّت عليه نطاقاً ليس كنطاقهن، وحضرت لها جناناً ثابتاً وشجاعة تفوق ما لدى كثير من الرجال، وعملت على إتمامها بحيلة واسعة وفطنة تفوق الخيال.
***
وفي لحظة إتمام «الصفقة» انطلقت من أعماق قلبها الطاهر صرخة عانقت عنان السماء، لقد بعتك يا رب روحي ودمي، وتركت من أجلك حياتي ومستقبلي، وخلفت وراء ظهري زوجي وطفلي، ثأراً لحرماتك ومقدساتك، وانتقاماً لأوليائك، فأجزل لي العطاء، وأعظم لي الربح.
ثم... صعدت روحها النقيَّة إلى السماء بعد أن أطفأت جذوة الحياة في أربعة من أعداء الله، وتركت عشرة آخرين يبكون جراحهم ويشكون جزعهم كالأطفال.
***
فلله درك يا «ريم»، فقد لقنت يهودَ درساً، وأصبت منهم مقتلاً، وأسلت من دمائهم نهراً، ونثرت في شوارعهم وأحيائهم رعباً، وزرعت بين زعمائهم فزعاً.
رحمك الله يا «يا قوتة الشهداء» رحمة واسعة وأدخلك فسيح جناته، فقد شفيت قلوب المؤمنين، ولن تزالي في تاريخنا ذكرى خالدة مجيدة.
|