بداية أؤكد أنني وكل عاقل نؤيد بل ندعو إلى التغيير إلى الأفضل صياغة وأسلوباً وإدخال ما تمس له الحاجة، وضرورة المحافظة على التخصص والبراعة فيه، فالمتخصص في الطب يجب أن يكون متفوقاً فيه، والمتخصص في الرياضيات والمحاسبة يجب أن يكونا بارعين ممتازين في تخصصهما وكذلك جميع التخصصات العلمية والنظرية العسكرية والمدنية.
ومن التخصصات المهمة في التعليم تخصص العلوم الشرعية، واللغة العربية، وهذان تخصصان أجد أن بلادنا في أمس الحاجة إلى تخريج أعداد كبيرة من الشباب فيهما وبمستويات مختلفة من الشهادات والتأهيل.. فالعلوم الشرعية هي الفقه في الدين توازي الحاجة له الحاجة إلى الطعام والشراب، ووالله إن أهم أسباب ضلال كثير من الناس هو قلة الفقه في الدين. علاوة على أن خريجيها سيشتغلون في قطاعات حكومية كثيرة لا تخفى على أحد. واللغة العربية هي لغة القرآن الكريم الذي لا يستقيم دين مسلم حتى يفهم معانيه فهماً صحيحاً ومن دون فهم اللغة وقواعدها لن يُفْهَمَ القرآن كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ولذلك يرى أن تعلم اللغة العربية فرض عين على كل مسلم.
وخريجو اللغة العربية تحتاج إليهم جميع قطاعات الدولة وليس المدارس وحدها، فوزارة الثقافة والإعلام، وإدارات العلاقات العامة والإعلام في كل وزارة ومؤسسة، ووزارة الشؤون الإسلامية وغيرها تحتاج إلى مؤهلين في اللغة العربية تأهيلاً عالياً.
وإذا ما عدت إلى المناهج أجد أن كثيراً من الطروحات الصحفية من بعض الكتاب والكاتبات تشير بأصابع الاتهام إلى العلوم الشرعية فهي - في نظرهم تربي على العنف، وتدعو إلى التطرف، وتشيع الكراهية والحقد.. وغير هذه المفردات!! ومن العجيب في الأمر أن بعض الذين يرددون هذه الكلمات لو طلبت منه أن يورد أمثلة على قوله ويشرحها لك لعجز وتوقف واكتفى بأنه يؤيد ما قاله فلان!! ومن الحق الذي لا مرية فيه أننا أمة مسلمة تَعَبَدنا الله بقراءة القرآن الكريم واتباع أحكامه، وطاعة رسولنا صلى الله عليه وسلم فيما أمر واجتناب ما نهى عنه {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً } [الأحزاب: 36] . وليس لي في مقال مختصر كهذا أن أورد ولو عشر معشار ما وجه به القرآن والسنة ولكن المقصود إشارات فقط. فمن القرآن الكريم {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ،لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ،وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ،وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ،لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} هل هنا حض على العنف؟! وقول الله تعالى {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ } [المنافقون: 8] إلى أي شيء تدعو هذه الآية؟! وحينما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» رواه الترمذي.
وقوله «أربع من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من نفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» متفق عليه.
وهو صلى الله عليه وسلم القائل «إن الله تعالى يقول: من عادي لي ولياً فقد آذنته بالحرب» رواه البخاري.. وهو القائل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه «فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرّ لك من حمر النعم» متفق عليه..
هل هذه النصوص وكل آيات القرآن الكريم وما صح من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تدعو إلى العنف والتطرف والكراهية، أم أنها تدعو للحفاظ على العهد وصون الدم والمال والعرض، وتدعو إلى العزة الإيمانية التي تبقى المسلم قوياً مهاب الجانب مرفوع الرأس متميزاً في خلقه وسلوكه وعقيدته حتى يلقى الله. وإذا جاء من يفهم نصاً في القرآن أو السنة أو حكماً من أحكامها فهماً خاطئاً ويستعمله في غير محله، فالعيب في الرجل لا في النص والشذوذ فيمن أخطأ الفهم ووظف النصوص في غير معانيها.
وإذا كانت المواد الدراسية في الثانويات والجامعات تدرس الكيمياء والتفاعلات والهندسة الكهربائية والذرية، وفي الطب يدرس التشريح فهل تلك المواد تربي على العنف وتدعو إلى التطرف والكراهية، وهل دروسها دروس في التدريب على الإجرام؟!! هل يقبل من أحد أن يقول ذلك؟ وإذا جاء رجل أمن فاستعمل سلاحه في جريمة هل حالته تدل على أنه تعلم الإجرام.. إن ذلك لا يقوله عاقل ولا يقبل جملة وتفصيلاً.. فالكيمياء والفيزياء تدرس على أنها علوم تساهم في نهضة البلد ورقيه وازدهاره ولا يضيرنا إذا استفاد منها مجرم في التخطيط لجريمته، أو حاقد في الوصول إلى أهدافه السيئة.
فإذا صح هذا في علوم ليست من صميم ديننا ولم ترد في كتاب ربنا تعالى، فلماذا يأتي نفر ممن عميت بصائرهم فيقولون إن في بعض تعاليم الدين ما يمكن الاستغناء عنه أو أن بعض الأحكام ذهب وقتها، أو لا تناسب العصر. هل هؤلاء يرضون أن يقال لهم أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، وهل يقبل من عاقل أن يقول إن فاطر السموات والأرض اللطيف بعباده الرحيم بهم شرع لهم ما فيه ضرر لهم، أو شرع لهم ما يمكن لهم الاستغناء عنه مع تقادم الزمن؟!!
أرجو أن يراجع كل عاقل نفسه قبل أن يخط سطراً يُكْتَبُ له أو عليه:
وما من كاتب إلا سيفنى
ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء
يسرك في القيامة أن تراه |
وأختتم بطرفة تقول إن النَّحو يحرض على العنف، لأن من أهم أمثلتهم: ضرب زيد عمرواً!! ومن الواجب أن يُعَدَّل فيكون المثال: أحب زيد عمرواً.
أيها الإخوة القراء والكتاب: إذا كان الرجل الصيني والرجل الهندي والرجل الكوري، بل الأفريقي من وسط أفريقيا أو جنوبها - وهي ما هي فقراً وجهلاً - كل أولئك لهم شخصيات ثابتة لها قيمها وآدابها وأعرافها التي لا تساوم عليها ولا يهمها ما قيل فيها! أليس من حقنا ونحن العرب المسلمين في أشرف البلاد ومهبط الوحي أن يكون لنا شخصية متميزة تعتز بدينها وآدابها وقيمها وعلومها ولا يضيرنا ما قال الناس فينا لأنهم بين حاسد وحاقد. أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يحفظ على بلادنا أمنها واستقرارها،وأن يمد ولاة أمرنا بعونه وتأييده، وأن يجعلهم من أوليائه الصالحين، إنه سميع مجيب وهو حسبنا ونعم الوكيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
* ص.ب: 190 - الدلم - 11992 |