إن الله لم يزل مذ كان الإنسان نطفة في رحم أمه يتعهده بعطفه وحنانه ورعايته ويرسل إليه في تلك الظلمة الهواء من منافذه والغذاء من مجاريه ويذود عنه آفات الحياة وغوائلها.. إنَّ رباً هذا شأنه مع عبده وهذه رحمته محال أن يأمر بسلبه الروح التي وهبه إياها بدون حق ففي أي كتاب من كتب الله أو سنة من سنن أنبيائه قرأت جواز ان يعمد الرجل الى الرجل الآمن في سربه والقابع في كسر بيته فتنزع نفسه بين جنبيه.. أعذرك لو كان هذا ما فعلته في ساحة المعركة وعند التحام الصفوف بل هذا محبوب عند رب العزة والجلال إذ يقول: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} ولكن ما هو عذرك في قتلك ذلك الطفل الذي لا يسأله الله عن دين ولا مذهب وما هو عذرك في قتلك المرأة الضعيفة التي لا تحسن في الحياة أخذاً ولا رداً أو ما هو عذرك في قتلك الشيخ الذي يزحف إلى قبره فعاجلته بفعلتك ثم اختيارك الزمان في الشهر المبارك الذي تتنزل في لياليه وأيامه الرحمات وتصفد فيه مردة الشياطين ثم اختيارك المكان في بلد الحرمين قبلة المسلمين وحبيبتهم ومأوى الأفئدة الأرض المباركة الطاهرة دار النصرة والدار الأولى لظهور المسلمين.
فأصبحت البلاد بفعلتك كما قالت الأعرابية فأصبحنا لا يرقد لنا فرس ولا ينام لنا فارس.
فقل لي بربك لماذا قمت بهذا العمل وهل تعتقد أنه جهاد إن كنت تعتقد ذلك فما رأيك بوصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأسامة بن زيد رضي الله عنه فأوصاه بقوله لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلو ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ولا تعزقوا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوام فرّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له فأنت بفعلتك خالفت وصية الصديق رضي الله عنه مع أن الجيش ذاهب لهدف سامٍ وهو إقامة الحجة وإخراج الناس من الظلمات الى النور ولم يكن هدف الجيش الإسلامي التشفي أو الانتقام إذ لو كان ذلك هدفه لكان الأحرى سفك دماء رؤوس الدين اليهودي أو النصراني بل الصديق رضي الله عنه أوصى بعدم التعرض للرهبان والقساوسة ثم أنت بفعلتك تعرضت لأناس يقولون «لا إله إلا الله محمد رسول الله» فماذا تفعل بهذه الكلمة في المحكمة الإلهية ولعلك قرأت أو سمعت قصة أسامة بن زيد رضي الله عنه حينما قتل ذلك الرجل وفي أرض المعركة وفي سيف الرجل قطرات من دماء المسلمين فلما تمكن منه أسامة قال لا إله إلا الله فقتله أسامة وأسامة حينما قتله فهو يشك في أنه قالها خوفا من بريق السيف ولكن أسامة في نفسه شيئاً فذهب ليسأل الرسول صلى الله عليه وسلم فماذا كان رد رسول الإنسانية رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم كان رده ماذا تفعل ب لا إله إلا الله. حتى تمنى اسامة رضي الله عنه أنه أسلم للتو ولقد استفاد أسامة من هذه الحادثة فترك القتال الذي حصل بين الصحابة رضي الله عنهم ثم إن لم يكن الذي قتلته ليس من أهل لا إله إلا الله فهم معاهدون ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم يقول: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة».
وأخيراً ما هو عذرك لقتلك نفسك وانتحارك الا تعلم أن الله هو المالك للنفس البشرية فهي ملك له عز وجل فلذا نهانا عن قتلها كما قال: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} حدث ما حدث فما هو السبب الذي قام به هؤلاء البغاة وتعريض أنفسهم للهلاك ومن الذي سوّل لهم هذا العمل.
فأول هذه الأسباب هو التقصير من الجميع تجاه الله عز وجل وهذا نذير من الله عز وجل وابتلاء {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} وقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فالسبب من أنفسنا وإذا حدث شيء أخذنا بالحلول المؤقتة ولا نرجع الى جذور المشكلة مثل مشكلة الأيدز مع هيئة الأمم فهيئة الأمم مع هذه المشكلة العالمية تحاول توفير العلاج بأرخص الأسعار ولا تحاول حل المشكلة من جذورها وأصل المشكلة هو التفسخ والخلاعة والمجون والاستهتار بشرائع الله عز وجل فالحلول المؤقتة قد تفيد في وقتها ولكنها مع الامد البعيد سترجع ومن ضمن الحلول تبصير الناس وتوعيتهم بمذهب أهل السنة والجماعة الذي تدين به هذه البلاد فمذهب اهل السنة هو المذهب الوسط وأئمتهم وأهل العلم والإيمان فيهم هم أهل العدل والرحمة فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين السنة سالمين من البدعة ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم ولا يقصدون لهم الشر ابتداء ولا يعاقبونهم حتى يبينوا لهم الخطأ والجهل فقصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق ولا يكفرون من خالفهم وإن كان هو يكفرهم لان الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك ليس لك أن تكذب عليه لان الكذب حرام.
وكذا التكفير حق شرعي حق لله فلا يكفر إلا من كفّره الله ورسوله وايضا تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف الى أن تبلغه الحجة وإلا فليس كل من جهل شيئاً من الدين يكفّر ولذا لما استحل طائفة من الصحابة لقدامة بن مظعون وأصحابه شرب الخمر فظنوا انها تباح لمن عمل صالحا على ما فهموه من آية المائدة اتفق علماء الصحابة كعمر وعلي رضي الله عنهما على استتابتهم فإن أصروا على الاستحلال كفروا وإن أقروا به جلدوا فلم يكفروهم بالاستحلال ابتداء لأجل الشبهة التي عرضت عليهم حتى يتبين لهم الحق وكذا ثبت في الصحيحين قصة الرجل الذي أوصى أهله إذا مات أن يسحقوه ويذروه في البحر فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحد من العالمين فأمر الله البر فرد ما أخذ منه وأمر الله البحر فرد ما أخذ منه وقال ما حملك على ما فعلت فقال خشيتك يا رب فغفر الله له، فهذا اعتقد أن الله لا يقدر على إعادته وأنه لا يعيده أو جوّز ذلك على الله وكلاهما كفر لكن كان جاهلاً لم يتبين له الحق بياناً يفكر بمخالفته فغفر الله له، فأهل السنة والجماعة لا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله والخوارج الذين قاتلهم علي رضي الله عنه لم يقاتلهم علي رضي الله عنه لأنهم كفار بل لم يقاتلهم حتى سفكوا الدماء وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم لا لأنهم كفار ولذا لم يسب حريمهم ولم يغنم أموالهم والخوارج مع أنهم مارقون يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بقتالهم فهم ليسوا ممن يعتمد الكذب وهم معروفون بالصدق حتى يقال إنَّ حديثهم أصح الحديث وفيهم من الشجاعة ما عجز عنه سيف الحجاج بل إن الحجاج عجز عن نسائهم فما هو الحل معهم وما هو الحل مع إنسان قادم للموت كما قال رئيس وزراء إسرائيلي سابق حينما سئل عن العمليات الاستشهادية التي تقع في أرضنا أرض فلسطين المغتصبة ماذا تريدونني ان افعل مع إنسان قادم للموت. أعود للخوارج فأقول إن بدعتهم ليست عن زندقة وإلحاد بل عن جهل وضلال فرجوعهم الى الحق سهل جدا فهم غلوا في الدين غلواً جاوزوا به الحد لنقص عقولهم فصاروا كما تأوله علي فيهم من قوله عز وجل: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً
} فهم يجمعون بين الجهل والظلم فيبتدعون بدعة مخالفة للكتاب والسنة وإجماع الصحابة ويكفرون من خالفهم في بدعتهم فتركوا العمل بالسنة لمخالفته بزعمهم القرآن وابتدعوا التكفير بالذنوب وكفروا من خالفهم حتى كفروا عثمان وعلياً رضي الله عنهما. والجهل يزول بالعلم والبيان ولهذا كان كثير من الخوارج يعودون ويرجعون عن بدعتهم بالمناظرة والمراجعة فرجع منهم على يد عبدالله بن عباس رضي الله عنهما لما أرسله علياً رضي الله عنه أربعة الاف أو أكثر في مجلس واحد ورجع منهم في عهد عمر بن عبدالعزيز الف لما نوقشوا.
فالخوارج لا ينقطعون بل كلما انقرض منهم قرن ظهر قرن آخر إلى آخر الزمان فهل يمكن القضاء على هؤلاء بالسجن والرصاص كلا فهذا في النهاية اعتقاد وفكر فالفكر يحارب بالفكر فالعلاقة بين الشباب والسلطة متداخلة ومتقابلة ومتبادلة بدرجاتها المتعددة فما هو الوسيط.. إنه الحوار العقلي البعيد عن الالفاظ العنترية دعوة الى الحوار والتسامح والتراحم ونبذ الحقد والغل كما كان سيد البشر عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم في يوم الفتح ماذا قال لقريش اذهبوا فأنتم الطلقاء وكان الرسول عليه السلام قد أمر بقتل ثمانية رجال وأربع نسوة من الرجال صفوان بن أمية بن خلف وكان شديداً على النبي صلى الله عليه وسلم فهرب خوفاً منه إلى جدة فقال عمير بن وهب يا رسول الله إنَّ صفوان سيد قومي وقد خرج هارباً منك فآمنه قال هو آمن وأعطاه عمامته التي دخل بها مكة ليعرف بها أمانه فخرج بها عمير فأدركه بجدة فأعلمه بأدائه وقال إنه أحلم الناس وأوصلهم وإنه ابن عمك وعزه عزك وشرفه شرفك قال إني أخافه على نفسي قال هو أحلم من ذلك فرجع صفوان وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا يزعم أنك آمنتني قال صدق قال اجعلني بالخيار شهرين قال أنت فيه أربعة أشهر فأقام معه كافراً وشهد حنيناً والطائف ثم أسلم رضي الله عنه وصدق الله حيث قال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} وأنا حينما اقول هذا فإن بعض الكتّاب يدعو الى مجابهة هؤلاء بالعنف والقيد والرصاص أين الرحمة قال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً} صح الذي باشر العمل ينال عقابه ولكن الذي باشر العمل أفضى الى ما قدم ولكن نتدارك البقية لأجل أنفسهم أولاً ثم لأجل مجتمعهم ووطنهم وفيه من العلماء من تبرع بأن يكون وسيطا مثل الشيخ سفر الحوالي حفظه الله فلماذا يقف بعضنا بصد مثل هذه التوجهات فأسلوب العنف الناتج من انقطاع الحوار الواعي بين الشباب والسلطة قاد الدبابات إلى داخل الجامعات في اوربا وملأ الميادين بالمتظاهرين وتحول به قطاع من الشباب الى العمل في الجماعات السرية التي تحاكم الفرد غيابياً وتصدر عليه بالإعدام غيابياً ثم تقتله علناً إلى حرب المدن في أمريكا اللاتينية.
ومنهم أي من بعض الكتّاب من يمجد المستبد العادل ولا أرى كيف يجتمع العدل والاستبداد أو يقول إنَّ شعوبنا لا يصلح معها إلا القوة كما هو الآن الرأي المشاع ان العراق لا ينفع معها إلا المستبد وأنها أرض فتن فإذا كانت القوة هي السبيل الوحيد في الإقناع أو على الاصح في الطاعة بلا اقتناع أو في النظام بلا إرادة فماذا الذي يحول بين الشباب واستخدام أسلوب يتبعه بعض القادة في تعاملهم مع الشباب. فنحن بحاجة الى الحكماء والعلماء الربانيين الذين يبينون الحق فالطريق طويل ولكنه مختصر إذا اخذنا بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام هذا المنهج الذي نستمد منه قوتنا فيه نستطيع ان نقيم المعابر بين الشباب والسلطان ولهذا الطريق معالم أولها الانتماء.. شعور المواطن أن الوطن ملك للمواطنين وأجيالهم وهذا الانتماء يقوى بأسلوب يعتمد أساساً على الأسوة العمل الكثير والقول القليل ثانيها أسلوب التربية ذلك الذي يوثق العلاقة بين العمل وبين الاعداد للمستقبل وممارسته بنجاح ثالثها الربط بين العمل والاجر هذا الربط الصادق الذي يفتح المجال للشباب ان يتكون في ظل من تكافؤ الفرص فيفتح له المجال لأن يأخذ الاجر العادل على ما يعمل دون بطالة حقيقية أو مغطاة يصبح بها العمل الحكومي او الأهلي في بعض قطاعاته نوعا من التسول المستور.. إن الانقطاع بين الاجر والعمل الانتاجي يدعو إلى الانقطاع بين المال والاحسان في انفاقه فما جاء بغير جهد يذهب بغير جهد فإذا الشباب مخلوقات هشة لا تصمد أمام المغريات وتستجيب لأي نزوة.
وأخيراً
إن الارض جميلة أي أرض المملكة بل هي حديقة الله كما وصفها أحد الغربيين وفي السكان خير كبير وفيهم ذكاء فطري وخلق قويم وأدب رفيع قلّما يتوافر في أماكن أخرى وإنَّ الكبت الذي أوجدته الظروف لن يزول الا بكثير من المصارحة والصدق والتوجيه الصحيح قبل أن يفلت زمام الأمر وإنَّ النفاق الذي درج عليه الكثير والمديح الطائل الذي لا يجدي كما قال أحد الامراء في مجلس له فأكب الحاضرون في الثناء والمديح فقال كفوا عنا هذا وأبدلوه بدعوات خالصة فالنفاق والإطراء يجب ان يوضع له حد وتكون النصيحة لله عز وجل ولرسوله ولأمة المسلمين وعامتهم وبخاصة أن العربي عرف بالصراحة وعدم الخوف من الحق وجاء الاسلام وقوى هذا الجانب وطلب من أتباعه الا يخافوا في الحق لومة لائم وإنَّ هذا النفاق كثيرا ما يجعل المسؤولين لا يطلعون على حقيقة الامور فيصلحونها ولا يعرفون ما تحتاج اليه البلاد فيقدمون لها.
ولذا حينما سئل شاه ايران عن سبب سقوطه وثورة الشعب ضده قال بسبب المنافقين الذين حولي الذين يقولون كل شيء على ما يرام.
وإن التبذير في المال الذي عمّ والتبديد في الثروة الذي شاع والادخار في مصارف خارجية يجب ان ينتهي امره وتستفيد منه الامة كاملة وإن النعمة التي أبطرت الكثير يجب أن توقف عند حد قبل أن يسلط الله علينا من لا يخافه ولا يحذره أو يخسف الله بنا الأرض كما قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} والله نسأل التوفيق والإخلاص في العمل وسداد الخطى وهو نعم المولى ونعم النصير وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|