Wednesday 21st January,200411437العددالاربعاء 29 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
رجال الأمن.. الصورة النمطية
د. عبدالله بن ناصر الحمود*

ربما لم تتفق الدوائر العالمية مؤسسات وأفراداً حول قضية من القضايا أو موضوع من الموضوعات مثل اتفاقها على أن الأحداث الكبيرة التي مرت بالعالم المعاصر خلال الأشهر القليلة المنتهية قد أسهمت- بشكل فاعل- إما بترسيخ صور نمطية شائعة متبادلة بين الشعوب والجماعات، وإما بتغيير تلك الصور سلباً أو إيجاباً، أو ربما بتكوين صور ذهنية جديدة، والقاسم المشترك بين كل هذه الاحتمالات هو «الصورة النمطية» أو «الصورة الذهنية» التي بات الناس يتناولونها في منتدياتهم العلمية والفكرية والإدارية وحتى الاجتماعية، وربما لم تحظ الصورة الذهنية بهذه الأهمية لشيء خاص بها، ولكن ربما لما يترتب عليها من تكوّن الآراء والاتجاهات والسلوك البشري. فمن المستقر لدى عامة المعنيين بقضايا الصورة النمطية التي يحملها الفرد عن الناس والأشياء من حوله، أن تلك الصورة تعد المحرك الحقيقي للعلاقات السلوكية المتبادلة بين الناس. ولعل مما يزيد الصورة أهمية أنها يمكن أن تتكون فيما بين الشعوب المختلفة، كما يمكن أن تتكون أيضاً بين أبناء المجتمع الواحد، أفراداً وجماعات. وبذلك تحمل فئة مجتمعية صورة معينة عن فئة أخرى وتتحدد طبيعة العلاقة بين الجماعتين على أساس من هذه الصورة الذهنية، التي تشكَّل نتيجة عدد من العوامل التراكمية الثقافية والاجتماعية.
وبإلقاء نظرة فاحصة لواقع مجتمعنا السعودي خلال العقود الماضية، ندرك أن الصور الذهنية التي تحملها كيانات وفئات مجتمعية في مقابل كيانات أخرى قد ساهمت في تشكُّل نمط من العلاقات المتبادلة تتخذ من تلك الصورة محركا لها. وبقدر ما كانت قطاعاتنا الأمنية ذات علاقة مباشرة مع الناس في المرور، والجوازات، والأمن العام، وبقدر ما مضى من عقود طويلة للمجتمع في تفاعلاته المستمرة مع رجال الأمن، فقد يصح القول إن صورا ذهنية معينة قد تشكَّلت لدى الناس عن رجال الأمن، وقد لا تختلف هذه الصور عما تم تكوينه عن الموظفين الإداريين في عدد من وزاراتنا وقطاعاتنا الإدارية العاملة وفق أنظمة الخدمة المدنية طيبة الذكر!! فالصور النمطية لدى الناس قد يكون غلب عليها عدم الرضا بما يحصل من أفعال وردود أفعال رجال الأمن، ربما لسبب رئيس هو الأهم، وهو افتقار عدد من أفراد هذه الفئة المجتمعية- خلال عقود مضت - لمهارات الاتصال الإنساني الجيدة، مع الناس بشكل عام. وبذلك، فقد كانت القطاعات الأمنية تحتاج لمحطات حقيقية تستطيع خلالها أن تثبت للناس أنها قد تطورت اتصالياً وأن أفرادها قد زاد تأهيلهم العلمي والمهني بالقدر الذي يثير الإعجاب. وبدأت رحلة هؤلاء الرجال في مكافحة الإرهاب والسهر والكد من أجل الوطن، الكيان الكبير. وأصبح الناس يتعاملون مع رجال الأمن في مناطق ومراكز متعددة في المدن وعلى الطرق السريعة، لكن رجل الأمن قد بدا مختلفا عما يمكن أن يكون قد تشكَّل عنه من صور نمطية بائدة. فعلى الرغم من أنه يتعامل هذه المرة مع أكثر الموضوعات شدة وحساسية، ومع أكثرها تعقيداً وعنفاً، وهو موضوع الإرهاب، إلاَّ أن هذا الرجل قد بدا احترافياً بشكل كبير، فجمع بين اللطافة في التعامل مع عامة الناس، والحيطة والجدية والحزم والإصرار على حفظ البلاد، مع كل من يحتاج إلى هذا السلوك. لقد استطاع رجال الأمن في بلادنا، وعبر شهور قليلة، أن يغيِّروا فعلا صوراً نمطية كانت قد تكونت عنهم، وأن يثبتوا للناس أن بلادهم بخير، وفي خير، وإلى خير إن شاء الله، محمية بإرادة الله تعالى وفضله، ثم بمهنية عالية جدا، باتت تمتلكها قطاعاتنا الأمنية. فلهم منا واجب الدعم والمساندة من أجل أن يبقى كياننا الكبير كما نعهده شامخاً من بين كل كيانات البشر.

*عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved