من حقائق التاريخ أنه إذا تآزرت سلطة المعرفة مع سلطة القوة لتحقيق أهداف مصلحية أنانية.. تهدر غالباً حقوق الإنسان ويقمع ويدجن وتستلب مقدراته.. لذلك فإن الدعوة إلى أن النخب هي التي لها الحق في إبداء الرأي أو الانتخاب هي دعوة خطيرة.. فمن قال انه في يوم ما لن تتواطأ النخب «وهم من يمثل سلطة المعرفة» مع سلطة القوة؟.. فالعصور الوسطي في أوروبا مثال صارخ وواضح على كيف كانت النتائج.. وكيف أنهم لم ينعتقوا مما كانوا فيه إلا بعد ترسيخ مفهوم أن كل إنسان حي قادر على الوصول إلى صندوق الاقتراع له الحق في التصويت وإبداء الرأي.. وبالتالي صار مصيره في يديه لا في يد من قد لا يؤمن خطؤه إن لم يكن شره.
قانون التصويت على كل ما فيه من مشاكل واخطاء.. يظل القانون الإنساني الوحيد الناجح على سطح الأرض حالياً.. وأعيد تكرار كلمة «الوحيد».. على ما في هذه الكلمة من مآخذ ربما في رأي كثيرين.. لكن النظر الى واقع الحال يثبت ذلك.. حتى لو أوجد أحد ما المبررات لإخفاق حال كل من لم يعمل بالانتخاب.
نعم، قانون التصويت سوف يرفع رموزاً قبلية أو مذهبية فكرية أو عقائدية.. إلخ.. وهذا غير مفيد وطنياً.. لكن الحقيقة تقول ان لا أحد يملك الحقيقة.. فمن يملك الحقيقة «وهذا افتراض مستحيل» لا يحق له مصادرة رأي الآخرين.. فما بالك إذا كنا لا نتفق على شخص واحد نعترف له أنه يملك الحقيقة.. إذاً يجب أن يكون لكل منا رأيه تجاه الحقيقة.. والأكثرية تفوز.
وجه المقام السامي بمرسوم ملكي صدر بتاريخ 17/8/1424هـ بتفعيل قرار ملكي آخر صدر في 21/2/1397هـ يخص الانتخابات في المجالس البلدية.. هذا القرار - إذا تم تنفيذه - سيكون نقلة لمرحلة تاريخية جديدة تشهدها المملكة.
كثير من الناس للأسف لا يستطيعون أن يعوا المراحل التاريخية التي تمر بها أوطانهم.. وهذا طبيعي ومعتاد على مستوى كافة البشر.. فالذين يعون مراحل النمو والتغيير في أوطانهم هم الفئة المفكرة التي لديها قدرة على الاستشراف والقياس والقراءة والمقارنة.
هذه المرحلة التاريخية المقبلون عليها تواجه للأسف بتثبيط وتهوين وتشكيك.. فهي في رأيهم لن تنفذ.. وان نفذت فسوف تكون فئوية طبقية.. إن لم تكن مزورة.
دعونا من هؤلاء المحبطين.. ولننظر للمستقبل بتفاؤل.. فنحن بلد خير.. ولا نظن الله تعالى إلا كريماً عفواً حارساً لعبيده.
دعونا ننظر كيف ستكون الانتخابات؟.. وكيف ستنظم وتدار؟.. وما هي آلية الترشيح؟.. وكيف سيتم التصويت لاختيار المرشحين؟.. وما هي مساحة الحرية في العرض والطرح؟.. وما هي الفعالية المتوقعة من المجالس المنتخبة؟
دعونا ننظر الى أنفسنا نحن المصوتين.. كيف سنتعامل مع الحدث؟.. وهل سيكون لدينا الدافع فعلاً للذهاب والتصويت؟ أم سوف يتم إغفال ذلك الحق استهانة بأنفسنا؟
أيضاً كيف سنقوِّم المرشحين عموماً.. والمرشحين الفائزين خصوصاً.. وكيف سنتعامل معهم؟
هل سيكون المسار الإعلامي والتوعوي لهذه المرحلة التاريخية متروكاً لاجتهادات الصحف؟.. أم سيكون هناك عمل توعوي.. يعدّ الجمهور العام ويحضِّره للمرحلة بتوعيته بأهداف المرحلة ومهامها والنتائج المتوقعة منها؟.. هل سيسند لوزارة البلديات كافة أعمال الانتخابات البلدية وعلى كافة مساراتها التشريعية والتنظيمية والإعلامية.. أم سيكون لجهات رسمية أخرى دور.. وفي ماذا وفي أي أجزائها؟
هل ستكون الانتخابات البلدية.. خطوة أولى لبناء الثقافة الانتخابية السليمة في المجتمع؟.. أم عملاً فوضوياً يثير الريبة والاحتجاجات والتشكيك؟.. وبالتالي التأثير السلبي على أية انتخابات وطنية قادمة؟
وحيث ان الانتخابات البلدية ستكون أولى الانتخابات الوطنية.. هل سيكون القائمون عليها مبادرين سبَّاقين.. ويسندون تنظيم وإدارة الانتخابات الى جهات متخصصة.. بدلاً من اللجان الحكومية؟
مضى الآن ثلاثة أشهر منذ صدور القرار السامي الكريم بتفعيل قرار انتخابات المجالس البلدية الذي صدر قبل ثلاثين عاماً تقريباً.. ونحن الآن في انتظار ولادته.. ينتابنا فرح بقدومه.. وخوف عليه من إجهاض يحبط محاولتنا الوطنية للخطو للأمام.
|