تمنيت.. لو أنني قرأت كتاباً يؤرخ للحج خلال العقود الماضية.. ابتداء من رحلة العذاب والخوف.. والسلب والنهب.. وقد يعود الحاج أو لا يعود قبيل قيام هذه الدولة المباركة.. وقبل تشديد قبضتها على بسط سيادتها على أرض الجزيرة.. وإعلان أنها.. حقب الخوف والفوضى والضياع والمشاكل والقرصنة وسفك الدماء.. وما كان يوجد في مكة أو حولها.. من بدع وشركيات وأخطاء عقدية..
فلو سلم المسلم من مشاكل الطريق.. لما سلم من البدعيات والشركيات وأخطاء أخرى هناك.
** ثم انتهت المشاكل الأمنية في مرحلة أخرى.. وصارت الطرق بفضل الله ثم بجهود ودور الملك العظيم عبدالعزيز رحمه الله وصار الحاج.. في أمن وأمان.. ولم يعد يخاف حتى على راحلته من الذئب.. وصارت المرأة تسافر لوحدها من بلد إلى بلد.. وصارت الطرق كلها أمانا ولكن.. ظل الحج مشقة.. لأن الحج كان على الراحلة في بداياته.. وكان بعض الحجاج لا يعود.. وبالذات كبار السن.. حيث يرهقه المسير.. ولا يجد عناية صحية ولا غذائية.. لأن الدولة كانت في بداياتها.. ولأن العالم كله آنذاك.. كان في مرحلة مبكرة من عمر التحضر.. ثم جاءت نقلة أخرى.. وهي نقلة السيارات.. لكنها كانت سيارات قليلة وبدائية و«قرنبعات» وكان بعضها أو أكثرها.. «يتعطل» في الطريق أو ينفد الوقود أو يبنشر مرتين وثلاثاً.. وكانت الطرق ايضاً صحراوية ورملية.. بل ان بعض الحجاج «يضيع» في الطريق ويتيه لساعات.. بل ربما لأيام.. وبعضهم يتجه شمالاً.. وجنوباً حتى يطيح في قرية أو سيارة ترشده للطريق.. وكان هناك مشاق ومكابدة للطريق ولتقلبات الطقس وللغذاء..
** وهناك غياب شبه تام أو ربما تام للدواء.. حتى جاءت نقلة أخرى.. عندما عُبِّدت الطرق وصار هناك محطات على الطرق.. وصار الطريق أيسر وأسهل.. واختصر الأيام والأشهر إلى ساعات.. ولكن.. ظل هناك مشقة في كل شيء أو أكثر الأشياء.. وكان السفر أيضاً.. له بعض الوعثاء والتعب والمشقة.. وكانت المشاعر بلا خدمات حتى جاءت نقلة أخرى.. في سنين مبكرة من عمر هذه الدولة المباركة.. التي ركزت جهودها وخدماتها هناك.. استشعاراً منها بدورها الكبير في خدمة ضيوف الرحمن.
** ففي هذه النقلة.. تحسنت أمور كثيرة.. وصار هناك خدمات وحضور فاعل ونشط للجهات المسؤولة وصار هناك غذاء ودواء ومتابعة وخدمات بلدية وخدمات مختلفة.. لكن السفر ظل فيه بعض المشقة.. فكل حاج يجتهد بطريقته ويحجز في صالون أو في أتوبيس أو في «لوري» حسب امكانياته.
** ثم جاءت أكثر من نقلة لاحقة حتى جاء عهد حملات الحج.. فتيسر كل شيء.
** حملات الحج.. تتسابق على رفاهية الحاج.. إذ أن هناك حملات «في.. آي.. بي» وخدمات من هذا النوع.. وصارت لهم الحملات تتسابق وتتبارى في رفاهية الحاج.. وصار الحاج.. يتدلَّل دلالاً زايداً.. وصار يبحث عن أعلى درجات الرفاهية.. وتحوَّل الحج لدى البعض.. إلى رحلة رفاهية ورقَّة ودلال.. وصار لدى حملات الحج.. قسم خاص للمرفهين المدللين.. وكل شيء.. ممتاز.. وآخر «جَخْ».
** وصارت رحلة الحج.. سهلة ميسورة للغاية.. المهم.. أن تدفع وتأخذ خدمة.. وهذه لها حكاية أخرى.. ووقفات أخرى.. لأنها تستحق ذلك.
** تلك أبرز مراحل رحلة الحج.. ابتداءً من الراحلة.. وانتهاءً بالجامبو.. ولازلنا ننتظر المزيد من الرفاهية والخدمات.
|