بدأت في الآونة الأخيرة ألاحظ تكاثر محلات بيع التحف واللوحات والأشكال الجمالية وهذه ظاهرة فرضت نفسها رغم أن بعض الناس مازال معاديا للجمال باستثناء جمال المرأة التي تقبل الزواج منه. بدأ الأمر الواقع يفرض نفسه. لا يمكن الاستمرار في الحرب على الجمال. فالجمال من الثوابت الإنسانية وجزء من تكوين الوجدان الإنساني وسواء كان بصرياً مثل اللوحات والمجسمات أو سماعياً كالموسيقى. فجزء كبير من حياة الإنسان مكرس للاستمتاع بالجمال. انتشار هذه المحلات يعكس تنامياً وبعثا لحاسة الجمال المعطلة.
لا أعرف كم نحتاج من الوقت حتى يدخل الجمال المتخلق محليا السوق. فاللوحات المنتجة سعوديا ما زالت خارج المنافسة. قليل من اللوحات السعودية يمكن أن تدخل سوق الجمال وتنافس. هناك مسافة كبيرة بين الرسم وبين المحلية. فالمنتج السعودي من الفن يعاني من القلة إلى حد الغياب وكثير من هذا القليل يفتقر إلى الروح المحلية الصادقة. عندما تقرأ لوحة موضوعها مثلا البيت السعودي القديم أو الحارة السعودية القديمة تشعر بأن هناك شيئا مفقودا. كأن اللوحة مأخوذة عن صورة فوتوغرافية وليست من مزاوجة بين الواقع القائم والخيال. لم تمتزج بالروح الإنسانية. أعتقد أن هذا جاء نتيجة القفز السريع من الرسم الحرفي إلى مدارس الرسم الحديثة. كثير من الفنانين السعوديين لم يتقن بعد حرفية الرسم نفسها. لا يستطيع أن يرسم يداً أو وجهاً أو شجرة فيهرب إلى الرسم الحديث المبني على تلطيخ الألوان. عندما تتأمل في رسم وجه لرسام سعودي تلاحظ أنه تعلم الرسم من الرسم. تعلم الرسم من اللوحات الأجنبية التي تأملها. فالوجه غالبا لا يشف عن وجه سعودي أو عربي بصفة عامة. يشف عن وجه أجنبي. ملامح غربية رغم الكساء: غترة وعقال أو عمامة. وهذا ما يمكن أن نسميه تعلم الرسم من الرسم. ولم ينتقل الفنان السعودي إلى قراءة الطبيعة نفسها. فهو ينسخ ما رسخ في ذاكرته لا يرسم ما يمليه عليه خياله وما تفرضه الطبيعة على وجدانه.
أتذكر فتاة لم يتجاوز عمرها الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة عرضت علي لوحاتها من الفن الحديث. أظن الفن السريالي. لم استطع أن أقول لها إنها أعمال سيئة رغم أنها كانت سيئة فعلا. اختبرت الفتاة بطريقة غير مباشرة فلاحظت أنها لا تستطيع أن ترسم شجرة أو سيارة، لا تعرف كيف تنقل الأشكال من الطبيعة إلى لوحاتها بحرفية. فقفزت على ما لا تعرف. قفزت على أساسيات الفنان.
في الثمانينيات من القرن الماضي ترددت عبارة في الصحف السعودية تقول: على الفنان أن يتقن أدواته. كانت عبارة رنانة ولكنها في الواقع كانت عبارة مكلفة لا يستطيع الكسالى المرور من خلالها. فأدوات الفنان ليست مواهبه وإنما مكتسباته من المهارات المتعلمة المتصلة بفنه. فالكاتب مثلاً من أهم أدواته إتقان قواعد الإملاء وقواعد اللغة وقراءة التراث بل أحياناً اجادة لغة أجنبية. ومثل هذه تحتاج إلى الجلوس فترة طويلة للدرس.
مازلنا تحت سيطرة الهاجس الميتفيزيقي المتمثل في كلمة موهبة. وهو من موروث وادي عبقر الأسطوري الذي كان يغرف منه الشعراء الجاهليون جماليات قصائدهم.
فاكس 4702164
|