Wednesday 21st January,200411437العددالاربعاء 29 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

طيار هارب من العراق: لست فخوراً بأني أمريكي طيار هارب من العراق: لست فخوراً بأني أمريكي
بعض العائلات الأمريكية تبرأت من أبنائها العائدين من العراق

* اسطنبول - الترجمة:
صب طيار أمريكي هارب من جيش بلاده جام غضبه على القيم الامريكية التي تحول الجنود إلى مسخ انساني مشوه خاصة في تعاملهم مع العراقيين، وقال ان عائلات امريكية تبرأت من ابنائها الجنود العائدين من العراق بسبب الأعمال المخزية التي كانوا يقومون بها هناك مثل التعذيب واحتقار الناس.
وفيما يلي ترجمة لنص المقابلة التي اجراها الصحفي التركي (تومان عليلي) مع الطيار الأمريكي (سيلفيان كوانتوجيريمس) الذي فرّ من الجيش الأمريكي في العراق، وتم اللقاء معه في يوغوسلافيا. كان سيلفيان عضواً في مجموعة خاصة في الجيش الأمريكي مهمتها تصفية بعض الاعضاء في حزب البعث.
نص المقابلة
* كيف هربتم من العراق؟
لم يكن ذلك صعباً، حيث ذهبت الى منزل كنت اعرفه قبل ثلاثة اسابيع، حيث سبق لنا ان اقتحمناه مع مجموعة من جنودي، وعندما لجأت اليهم وكشفت لهم هويتي انتابني شعور بالخوف الشديد، ولكنهم عاملوني بلطف وقدموا لي الشاي، وساعدوني كثيراً ولاسيما بالتخطيط لعملية فراري من العراق الى دولة مجاورة. ثم بعد ذلك وصلت الى يوغوسلافيا، حيث استقبلت هنا بشكل جيد.
* لماذا فررتم من وحدتكم في العراق؟
لقد شعرت بالقرف!! إنني أمارس القتل بشكل آلي، وأقف مع الطرف الظالم دون وجه حق.
قبل ذهابي الى العراق، كنت اشعر انني أمريكي عظيم، ولكنني ادرك الآن ان الأمريكي معزول وغير مرغوب فيه.
قيل لنا إن عدد القتلى من الجنود الأمريكيين «202» جندي بعد الأول من ايار، والجرحى «3300» جندي، واعلم أن معظم الجنود يرغبون بالفرار، حيث كان لحرارة الصحراء ونظرة العراقيين إلينا تأثير سلبي علينا، إضافة لذلك كنا نخسر يوميا عددا جديدا من الجنود والاصدقاء، وكنا نتساءل بشكل دائم: لماذانحن هنا؟ وأين نحن؟
كنا نقتحم المنازل في الليل نسبب الارباك والازعاج للمواطنين، ولايغيب عن ذاكرتي تلك الطفلة العراقية التي توفيت خلال احدى عمليات الاقتحام بسبب الخوف والذعر الذي اصيبت به.
قيل لنا في أمريكا قبل قدومنا: ان الشعب العراقي سوف يرحب بنا بالزهور، حتى انهم تحدثوا لنا عن العيون السود للفتيات العربيات، وانا الآن نسيت حتى حبيبتي في أمريكا من جراء ذلك.
كان اللباس العسكري الذي نرتديه ثقيلاً «وكأنك ذاهب الى القمر» حتى أنك لاتستطيع ان تحك جلدك إذا رغبت بذلك، وهذه البزات العسكرية تعبر عن الحالة المعنوية السيئة وعن الخوف الشديد، في وقت نحارب مواطنين عراقيين عاري الاقدام، لكنك لاتقرأ في عيونهم الخوف والرعب. كنت افكر باستمرار بأن لي أما وحبيبة واصدقاء في أمريكا وكذلك لهؤلاء العراقيين وانا أمثل الطرف المعتدي بينما العراقي يدافع عن اهله ووطنه.
فعلنا كل شيء لتعذيب الأسرى
كنا نشاهد يوميا منظر القتلى العراقيين،وحتى الجثث الملقاة في الشوارع ويصعب علي كثيرا ان أتحدث عن اعمال التعذيب التي استخدمنا فيها كل الاساليب التي تشعر الاسير بالذل والهوان، فمثلاً كنا نستخدم اسلوب «G17» ضد الاسير و الغاية من ذلك استسلام الاسير وقبوله التعامل معنا، كنا نضع كيسا قماشيا في رأس الاسير ونستخدم الاغلال البلاستيكية التي تسبب الحروق نتيجة للحرارة المرتفعة وجروحا عظيمة في رسغ اليد، لقد جربنا ذلك احيانا على انفسنا ولم نتمكن من تحمل هذه الاغلال لدقائق إذ انها كانت تسبب الحروق والحك الشديد والجروح العميقة.
لقد صنعت هذه الاغلال في أمريكا واحضرت الى العراق، وبمعنى آخر فإن بلدي «أمريكا» تنفذ وتطبق كل الاساليب لزيادة تعذيب وآلام الاسرى، وقارنت ذلك بتعامل العراقيين مع الاسرى الأمريكيين حيث كانوا يقدمون الشاي لهم، بينما نحن لانقدم لهم حتى الماء، ونقوم بنقلهم في شاحنات مفتوحة، وفي أسوأ الظروف يمكنك تصور آلام ووضع هؤلاء الاسرى اثناء نقلهم في حال وجود مطبات وحفر في الطرق. وحين الوصول الى نقطة معينة كنا نقوم برميهم من الشاحنة على الارض، وكنا نبصق وحتى نبول عليهم. هذه اشياء كلها غير انسانية وأثرت علي كثيراً.
كلنا نستخدم المخدرات
عدد كبير منا كان يتناول انواعا من المخدرات «الماريغوانا، الحشيش» وحوالي 70% من أصدقائي كانوا يتعاطون المخدرات، وحسب معلوماتي اكثرمن «900» جندي أمريكي فرّ من العراق، ولا استطيع ان أنسى نظرات المسلمين العراقيين لنا، ولاسيما عندما كانوا يرون الجنود الأمريكيين في غرف نومهم مع زوجاتهم، وقد كان هذا يحولهم إما الى اناس بلا إحساس او الى اسود مجروحة.
عندما كنا نعيش هذه التجارب كنا نردد مثلاً يقول: «لاتمسك ذيل النمر، وإذا أمسكته لاتتركه».
ولذلك كنا نفكر دائما بماذا سيفعل العراقيون بنا بعد ان نتركهم. أقول لكم بكل صراحة وانا ارتجف الآن إن الفلسطينيين محقون عندما يتحولون الى قنابل حية.
تعلمت من العراقيين الحضارة
* انت تتحدث إلى مجلة تركية، ما هو شعورك؟
ارى ان لقائي مع شخصيات من تركيا مسألة مهمة، لأنكم قريبون جدا من العراقيين الذين تعلمت منهم الحضارة ورأيت بأم عيني كم هم المسلمون منصفون.
إن بلدان هذه المنطقة هي مهد الحضارات وفي الوقت الذي جئت فيه لأدمرها قدم لي اهلها المساعدات لأهرب من هذا الجحيم وعلموني الانسانية والحضارة، وعندما كنت اخطط للفرار كان معظم جنودي يهربون من واقعهم باللجوء الى تناول الكحول والبكاء.
من الصعب مواجهة أولئك الذين يدافعون عن وطنهم
* هل يمكن التشبيه بين ما يجري في العراق وبين ما جرى في فيتنام؟
فيتنام؟ الوضع في العراق أبشع مما كان في فيتنام لأنني سمعت وقرأت عن فيتنام، ولكنني عشت شخصيا المظالم الوحشية في العراق.
وتأكدت انه من الصعب جدا مواجهة اولئك الذين يدافعون عن وطنهم،إذ ان معنوياتهم عالية جدا ويبدو ان ذلك آت من مشاعر الدفاع عن الوطن والاهل.
احيانا افكر وكأننا نعمل عملاء وأننا خدم للشيطان، ولا أتصور أننا نمثل العدالة، لأن العدالة لايمكن ان تكون ممثلة بالاورانيوم الموجود في الصواريخ النووية.
ومن السخف الادعاء بأننا لم نتلق معاملة طيبة في العراق، وهذا ما يؤكد أن الشعوب ليست ضد الشعب الأمريكي، بل هي ضد سياسات الحكومات الأمريكية، وربما كل من يقاوم الأشياء السيئة هو إنسان ايجابي.
وأقول لهؤلاء في أمريكا الذين يرغبون بالخدمة في الجيش الأمريكي في العراق بسبب المكاسب المادية او للحصول على الجنسية الأمريكية أو لأي أسباب أخرى، ان يفكروا اولاً بشرفهم وإنسانيتهم، لأن عليهم ان يتجردوا من الجانب الانساني كي يستطيعوا الخدمة هناك، لان جيشنا هو كمنظمة (مافيا) لاتستطيع ان تخرج بعد دخولك اليها. وصلتني اخبار بأن عائلتي قد تبرأت مني، والشباب يزعجون أخي الصغير في المدرسة، ويطلقون عليه لقب «شقيق الخائن»، وأحيانا اسمع ان بعض العائلات لاترحب بالجنود الأمريكيين الذين يصلون الى أمريكا بعد انتهاء خدمتهم في العراق، ويقبلون الارض عرفانا بعودتهم بالسلامة، ويقولون لهم كان من الافضل ان تموتوا لان هذا كان سيساعدنا ماديا، وإنني استغرب هنا انتهازية هذا المجتمع وغباءه.
أحارب مع العراقيين
تحاول أمريكا استخدام جنود بعض الدول الاخرى كدرع واق، وقد تعلمت من العراق شيئين اساسيين:
1 سوداوية المصالح الأمريكية.
2 اشعر بالعار لأنني أمريكي.
نعم، نعم بكل راحة ضمير اليوم لست فخورا بأنني أمريكي، سأقول ذلك في كل مكان مهما كان الثمن.
لقد غضبت في الماضي عندما قرأت سيرة الملاكم «محمد علي كلاي» وكنت أسأل نفسي آنذاك كيف يمكن لأمريكي ان يرفض الخدمة في فيتنام، واعتبرته خائنا، ولكني الآن ادرك أن «علي» كان على حق، وكان يقول في احدى فقرات مذكراته: «هذه ليست حربي»، وكان يقول إنه «لو ذهب الى فيتنام فإنه سيحارب مع الفيتناميين ضد الجنود الأمريكيين»، وأنا أقول الآن: سأحارب مع العراقيين ضد أمريكا، لأنهم يمثلون جانب الحق.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved