عندما صدر نظام هيئة الصحفيين، كان أول ما لفت نظري هو الاسم، فهذا الاسم لا يطلق عادة، إلا على الهيئات الرسمية وشبه الرسمية، التي نتعامل معها، أو نقرأ عنها في بلادنا، وفي العديد من دول العالم، ولذلك فقد كان قراري الشخصي، التوقف عن الذهاب، لأخذ الاستبيان الذي يحقق لي الحصول على العضوية، لكنني بعد أيام قررت أخذ الاستبيان، ومن المشاورات والمداولات، وجدت أنني لن استحق سوى صفة صحافي غير متفرغ، وكأنني لم افن زهرة عمري في خدمة الصحافة، ولم أخرج منها لحسن الحظ أو لسوئه حتى بخفي حنين، ومع ذلك فقد ظلت هاجسي حتى وأنا بعيد عنها كعامل ميداني، وإلا فإن كتاباتي في الصحافة لم تتوقف منذ بدأت الكتابة في رمضان من العام 1389هـ وحتى الآن.
وهذا يطرح علينا السؤال من هو الصحافي في عرفنا؟ هل هو الذي يعمل في جلب الأخبار وتحريرها وكتابة التقارير والتحقيقات الصحفية والتعليقات، أم هو المصور والمخرج والطابع، إنهم كل هؤلاء، وكل هؤلاء من الممكن ان يقوموا بالعمل الصحفي في صحيفة أو إذاعة أو تلفزيون أو حتى في منازلهم، لكن في عرفنا نحن، أو لنقل في عرف هيئة الصحفيين، الصحافي هو القائم على رأس العمل في إحدى الصحف، لذلك فهم يضنون على من طرد أو طرد نفسه من صحيفة، بإعطائه صفة صحافي كامل الحقوق والأهلية.. علما بأن الصحافيين القابعين في الظل لعدة أسباب أضعاف الموجودين على رأس العمل!
لكنني في آخر لحظة، وحين بدأ القطار «القشاش» يأخذ طريقه، وجدت ضوءاً أخضر لأكون صحفيا متفرغا، وليحق لي دفع ألف ريال رسم العضوية، وليكون لي حق التصويت والترشيح، وهذا ما فعلته، وكنت أتوقع حقيقة أن يكون حق الترشيح لعضوية هيئة الصحافيين مقصورا على رؤساء التحرير السابقين، وعلى من لهم خبرة سابقة أو حالية، في العمل الصحفي إضافة إلى من لهم اهتمام بهذه المهنة من القادرين أو المتفرغين، للدفاع عن زملائهم أو أبنائهم من الصحفيين، والبحث أو المطالبة بحقوقهم المهدرة، أو غير الموجودة أصلا، وأبرزها حق الصحافي حين يصيبه عارض مرضي، وهو خارج مظلة مطبوعة أو محطة إذاعية أو تلفزيونية في العلاج، وعن حقه في أن يكون له منزل أو قرض، أو أسعار خاصة في الطائرات والقطار، وحتى المستشفيات والعيادات وهي أمور معمول بها في العديد من دول العالم الحية و.... الميتة!
أما الأمر الآخر فهو حق الصحافي في معاملة لائقة وقانونية في مقر عمله، فلا يضام أو يهضم حقه، لمجرد أن رئيس القسم، ولا نقول رئيس التحرير، لم يعد يطيق خلقته، فيتفنن في تطفيشه من الصحيفة، ليجد نفسه وعياله في مهب الريح، بعد ان قضى سنوات من عمره في الصحافة، التي لا يدخلها الا عاشق لها، فهي مهنة أقرب إلى الفن، فمن يحبها، لا يفكر وهو يلج بلاطها، كم سيأتيه من وراء العمل فيها من المال والجاه، وقد تحطم جراء هذه الآفة التي تتسلط على النفس، العديد من محبي الصحافة، هؤلاء كانوا ومازالوا يعانون، دون أن ينجدهم أحد من التسلط والتهميش، ولن أقول لكم ان هناك من اشتغل عاملا أو سائقا أو موظفا بسيطا، وهناك من أصابته الأمراض العضوية والنفسية، عندما وجد نفسه على قارعة الطريق، والقليل القليل من استطاع أخذ حقه، من مكتب العمل، الذي يعد الصحافي عاملا، مثله مثل عمال الورش والمصانع والبناء!.
وهي حالة للأسف غير موجودة إلا في بلادنا، لذلك كله فرحنا لصدور نظام بإنشاء هيئة للصحافيين في بلادنا!
ورغم حبي وتقديري للعديد من رؤساء التحرير الحاليين، الذين تربطني بأغلبهم علاقة وصداقة وعيش وملح.. رغم هذا فقد حزنت عندما وجدتهم يرشحون أنفسهم لعضوية مجلس إدارة الهيئة، لأن حال الجميع معهم لو فازوا وهم سيفوزون، مثل حال ذلك الشاعر الذي قال «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم!» لكن حالما بدأوا في سحب ترشيحهم لأنفسهم، قلت إنه لا يصح إلا الصحيح، ولنترك أبناء المهنة، من البعيدين عن مواقع اتخاذ القرار في الصحف، ليكونوا النواة لإدارة شؤون هذه الهيئة، بشرط ان يكون لكل واحد منهم برنامج يحاسب عليه من الذين انتخبوه، حتى لا تكون الهيئة مجرد لافتة تمد لسانها لكل مظلوم.. في بلاط الصحافة! وحتى أقفل الخط على كل هامز ولامز، فإنني قد تركت العمل الميداني والتحريري في الصحافة بمحض إرادتي، خاصة وإنني كنت أعمل بنظام الإعارة، الذي جنبني كثيرا رهن رزقي ورزق عيالي بهذه المهنة، لكن لأنني أعرف خبايا هذا البلاط المليء بالمطبات فإنني أرى ان مهمة الهيئة الأولى، يجب أن تكون صوتا للمجروحين من أبناء هذه المهنة وما أكثرهم.. للأسف!
فاكس: 4533173 |