(1)
** في زمننا - وهو غير بعيد- كنا نسمعَ «كبارنا» يتحدثون بإعجابٍ عن «تلك» التي تعب «والدُها».. وهم في طريقهم من «البرِّ» فقادت «السيارة» إلى «البيت».. و«اللواتي» اضطررن في ظروفٍ مشابهة لفعل مشابه..!
** يتناقلون -دون «استغرابٍ» ولا معنى «للإنكار»- فالضرورات «متكأٌ» لمن تجاوز «السياق العام».. كما هي «لغةٌ» لمن «تَفَهَّمه».. فلم يحل المجتمع «المحافظ» عن وجود «أخريات» يقدن «الحرَّاثة» في الحقل، ويشاركن في «الحصاد»، ويسعين مع «رجالهن» -وقت الربيع- لجمع «الحشائش».. مثلما يتولين رعاية «المنزل» بما فيه من «بشرٍ» و«بهائم»..!
** توافق «السياق» مع «الوعي» (غير المدرك أو غير «المبرر») فكان للنساء «سوق» يغشاها «الرجال».. ولهم -بطبيعة الحال» أسواق يشترين منها.. فيُسلِّمنَ بحياء.. ويتخاطبن بحشمة.. ويتمثلون معهن - «بممارسةٍ» صادقة- ما قاله «عنترة»:
ما استمتُ أنثى نفسَها في موطنٍ
حتى أُوفِّيَ مهرَها مولاها
أغشى فتاةَ الحيِّ عند حليلِها
وإذا غزا في الجيشِ لا أغشاها
وأغضُّ طرفي ما بدتْ لي جارتي
حتى يواريَ جارتِي مأواها..
(2)
** لم تُمثِّل المرأةُ «قضية».. رغم أن من الرجال من واجه «تعليمها».. ومن رفض «توظيفها»..إذْ كان سلوكهم رد فعلٍ «لمتغيّرات» لم تُؤلف آذنت بتطورٍ تدريجي «أرشف» المعارضة والمعارضين في «ذاكرةِ» الماضي..!
** لم يتأزم الناسُ طويلاً.. فقد حسم «القرارُ» السياسيُّ «جدلاً» لم يحتدم.. فمن شاء «فليُعلِّم».. ومن شاءَ «فليُعتِّم».. ولم يعب «متعجل» على «متريِّث».. ولا هذا على ذاك..!
** لم يُثر «التنويريّون» -وكانوا في حراك فكري أقوى مما نشهده اليوم- حكاياتِ «ذكوريّة» المجتمع و«حقوق» المرأة.. فقد آمنوا -ومعهم «المحافظون»- أن مسيرة التطوير تتحرك بدفعٍ «ذاتيّ» «هادئٍ» لا تنفعُ معه «اندفاعاتٌ» هادرة.. أو «إملاءاتٌ» خارجةٌ.. ولم تمر سنوات حتى حقق «عقلُ» المرأة «إنجازات» أقرب إلى «الإعجازات».. فقد سابقت وسبقت دون أن «تثير» أو «تستثير»..!
(3)
** نما المجتمع بتوازن فحقّق الرجل «نجاحاته».. والمرأةُ «وثباتها».. وائتلفا في تكوين أبنية «عائليّةٍ» هانئةٍ توافرت لها ظروف «التربية».. وحقول «الإنتاج»..!
** كانت «الجدةُّ» تسابق «الأم».. و«الجد» يزاحم «الأب» -وربما كانوا أقرب إلى الأميّة- في توفير أجواءِ الانطلاق «المعرفي» لأبنائِهم وبناتهم فخرجت -من بين أيديهم- «أجيالٌ» متعلمة.. أثبتت أن «الجزيرة العربية» «متحركة» برمالِها..ورجالها.. وإناثِها.. وصغارها.. وكبارها.. فعاش جيلنا كل «الأزمنةِ».. مثلما عرف كل «الأجوبة».. وهو لم يغادر طُهر «المكان».. ولم يتبدل في داخله نقاءُ «الإنسان»..!
** لمْ تصبح المرأةُ معضلة فقد كانت تعي حقوقَها.. -مثلما يفهم الرجل حقوقه-.. يُطالبون بها دون استعجال.. فقد نقلتهم «العقود» الأربعة الأخيرة من حالٍ «السالب» إلى «المحايد».. ومن «المستلب» إلى «المطالب»..
إن دام هذا ولم يحدث له غِيَرٌ
لم يُبْكَ ميتٌ ولم يُفرح بمولودِ
(4)
** في كتاب (عبد الرحمن الكواكبي 1854 - 1902م) : (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد): رؤىً مهمةٌ طرحها في بحثِه عن «وسائط» لاستنهاضِ «الأمةِ».. ومنها ما علّقه على «التربية» التي تحصل -في نظره- بالتعليم والتمرين والقدوة والاقتباس وقال: إن أهم أصولِها وجود «المربين» وأهم فروعها وجود «الدّين».. أي أنه يرى المثال «العملي» أهم من «التهويم» في الفضاءِ «النظري»..!
** مجرد فاصلةٍ في متن هذا «المفكِّر» المختلف الذي يحتاجُ كتابهُ إلى قراءاتٍ متأنية تستجيب للتطلعاتِ «الآنيّة» المتداخلة مع إفرازات «الحوار» الدائر بين فِئام المجتمع.. وفي أكثرها «تسجيل حضور».. وفي بعضها «حَيْدةٌ» و«جور»..!
** لو أن «الرجل» الذي أضناه «واقعُ» المرأة.. ولو أن «المرأة» التي أشقاها «وضعُها» تأملاً قليلاً في معادلة (النظام والممارسة) -وهي التي طرحها «الكواكبي» في فكرته (المربون والدين)- لأيقنّا أن مبعث كثيرٍ من «الخلل» هو انفصال «الطّرح» عن «السلوك»، فمن «ينادون» لهن.. ومن «يتنادين» لأنفسهن يُعوزهم وجودُ «النموذج» الذي يريدون «صوغه»..أو ربما «استعصاءُ» أقلمته مع الحياةِ في «مجتمع» ذي «سمات» لا تأذنُ «بفجائيّة التحول».. أو «استيراد التبدّل»..!
(5)
** يربط «الكواكبي» «التخلف» «بالاستبداد» حتى يكاد ذلك هو «مبتدأَ» كتابه وخبرَه.. وربما ساعده زمنُه في قصر الاستبداد على ما هو «سياسيٌ» ليوقفنا زمنُنا على أنماطٍ أُخر.. منها.. وربما أهمُّها.. «استبداد الفكر..»..!
** هكذا بتنا نُطالعُ تنظيراتٍ «تطرفيّة» من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تنعي الجهل وتقع فيه، وتدين «التجاوز» وتمارسه، وتَعِدُ «بالتعدد» وتئده..!
** لا أحد يتنازلُ رغم «الحوار».. ولا مجال لحوار مع مَنْ يتنازل.. فذلك «مُعتْد» وهذا «مرتد».. وذاك «عنيد» وهذا «بليد».. وذاك «مأسور» وهذا «مأجور»..!
** لن يتفرجَ «الوعيُ» على حصار «الحوار» وحوار «الحصار».. وسيكتب التاريخ أن «المجتمع» قد تطور «بأولاء» و«أولئك» متى صّح «العزم».. والتزم «القولُ».. وصدق «الفعل»، وربما يكتب -لا قدر الله- أنه قد «تدهور» حين تسودُ «الأنا».. وتُغتصبُ «البطولة».. في «معارك بلا راية»..!
(6)
** كانت المرأةُ هي «الفاتحة» فلعلها تلائم «الخاتمة» بوصفها النموذج الأكثر تمثيلاً لتحولات «المجتمع» دون أن يؤثر في ذلك «المثرثرون» حول «الذكوريّة» الطاغية.. يكررونها دون «تحقيق» أو «توثيق»..!
** هكذا تغيب «المعالجات» في ضبابيّة «المصطلحات».. ومن يعِ حركةَ التاريخ فسيثق أن الأمس لن «يُطِلّ».. واليوم لا يَظَلّ.. والغد سيتحول..!
** لن تبقى مشكلاتُ المرأة منعَها من قيادة السيارة.. وارتهانَها لوظائف محددة.. فالسياقُ المنطقي سيمنحُها ثقتَها بقدرتها على «المنافسة» حين لا يبقي «صوتُها» وسيطها، و«أنوثتُها» شفيعَها، و«أنينُها» داءَها ودواءَها..!
** ولعل بعض النساء في المواقع «الصحفيّة» -«تحديداً» ممن هن «مأزوماتٌ» بعناوين «الذكوريّة» و«الحقوق»- مثال على شيء من «الخواء».. فلفيفٌ ممن علون سيقعن لو تجاوز «المجتمعُ» «دهشته» بهن.. و«هشاشته» أمامهن.. فكشفَ «سوءاتهِن» و«تسطيحهن».. وهو ما يرسم بعض زوايا «ثقافة» التخلف داخل سياقٍ يزعم التطور ويشي.. بتوتر الفهم.. وخلل التفاعل.. وحكايات «المستور» خلف الأسوار..!
** ومثلما كان «برست» يقول - كما تنقل أحلام مستغانمي في «عابر سرير»- : «لندع النساء الجميلات للرجال الذين لا خيال لهم..» فسوف يدعُ الزمنُ النساء «المتورمات» للرجال «الخفيفين» يُعَوضون بهن «ضآلتهم».. ويجدون «ضالتهم».. ويستمتعون «معاً» بيوتوبيا الوهم..!
* التغييرُ إرادة «محسوبة»..!