حاولت الكاتبة فاطمة العتيبي في زاويتها المشبعة بنهارات الشجن الكتابي أن تلامس وتراً اجتماعياً مثقلاً بالحساسية.. وذلك حينما عرضت لقضية الخِطبة - بكسر الخاء - بأسلوب طريف وعنونت مقالتها بعبارة «مديرة وخطابة».. حقيقة أثارت أحرف الكاتبة الكريمة هواجس شتى في ذهني.. عن هذا الموضوع الحيوي.. الذي يشكل حلقة مهمة في الواقع الاجتماعي.. ولاسيما مع اتساع العمران.. وكثرة السكان.. وامتداد الأحياء السكنية.. وبالتالي يصبح للخطبة دور مهم في قضية التعريف والربط.. وربما مارس بعض الرجال الخطبة على استحياء وبسرية وكأن الخِطبة إطارها الهمس والكتمان.. مما يجعلها مثاراً للتعليقات فإذا رأيت شخصين يتهامسان قلت متندراً: هل لديكم مشروع خطبة؟
ومازلت أحمل تساؤلات الموقف الاجتماعي الجاد: هل أصبحت الخِطبة حرفة أو مهنة مغرية وفناً قائماً بذاته له أصوله وأساليبه المتباينة؟ وله أنماطه وأسسه..
لم يعد الأمر محصوراً بالطرق التقليدية كاستغلال التجمعات النسائية سواء في الميدان التربوي عبر مجالس الأمهات أو في مناسبات الأفراح.. لرؤية الفتاة المقترحة.. أو المرشحة للخطبة.. من قبل خطّابة -بتشديد الطاء- محترفة أو متعاونة..
والمشكلة حينما يتحول الأمر إلى مجرد تحقيق مكاسب مادّية من قبل نسوة احترفن هذه المهنة ممّا يتسبب في توريط البعض بزيجات غير موفقة.. وبخاصة وأن كثيراً ممّن يلجؤون لمحترفات الخطبة ربّما كانوا غير أكفّاء ولم يجدوا من يقبلهم لتصبح الخطّابة حلاً أخيراً لديهم.. ولديها أساليبها في البحث والتحرّي وتحريك خيوط الموقف.. الذي يسجّل لها كمنجز..
لذا كانت الخِطبة أفقاً مهماً له أبعاده الاجتماعية.. فالخطّابة بنك متحرك يحمل أسرار البيوت وأحوال العوائل.. وهناك خطّابات مخضرمات.. يحملن رتبة عالية في هذه الحرفة..
ولعل اقتحام الرجل هذا المجال وقيامه بالمهمة أمر إيجابي من خلال بعض المحتسبين الذين يحتفظون بأسماء نساء راغبات في دخول عالم الزوجية وجدن في هؤلاء الرجال الفضلاء خير معين بعد الله تعالى وجلّ هؤلاء يتخذ من المسألة بعداً إنسانياً ويبتغي الأجر والاحتساب..
فهو لا يأخذ مقابلاً مادياً إنما يستقطب أزواجاً صالحين.. ولا يقبل إلا من يثق بأخلاقه ويتأكد من جديته في هذا الموضوع... لتصبح الخِطبة لديهم تجربة إنسانية عميقة.. وربّما اتكأ البعض على الجانب الإعلاني الدعائي من خلال مجلاّت تقدم عروض الراغبين في الزواج والراغبات مع بيان بمواصفات الطرفين والشروط المطلوبة عذراً.. على تلك الوقفة العابرة أمام طقوس الخِطبة ومؤثراتها لكنها حقاً تساؤلات ملأى بتداعيات الموقف وبخاصة مع كثرة طلبات الزواج.. لا نريد أن يتحوّل هذا المشروع المبارك إلى وسيلة كسب مادي والحصول على مبلغ معلوم على يد محترفي أو محترفات الخِطبة..
فكم من فتاة بائسة أو امرأة قهرتها الظروف ووقعت في فخ زواج فاشل.. وبخاصة مع أزواج يرون الزواج محطة عابرة فلذا لديهم الاستعداد على تكرار تجاربه..
وهكذا تتحول الخِطبة إلى صندوق مغلق تحمل مفاتيحه هذه المهنة المغرية.. ومازلت أتساءل هل تفوق الرجل على المرأة في ممارسة الخِطبة وتقديم مشاريع زوجية ناجحة.. وهل أنصفت عين المجتمع هؤلاء الفضلاء المحتسبين الذين وقفوا مع نساء بائسات في البحث عن زوج صالح.. والتحرّي عن ذلك؟
وهل يمكن للخِطبة أن تتخلص من خيوط المادة لتصبح مهنة لا تخلو من أهداف سامية.. أتمنى أن أسمع رأي أصحاب التجارب الناضجة في هذا المجال.. الذين ربّما نثروا مفردات رؤاهم القيّمة في جانب اجتماعي مهم بعيداً عن أقواس الحساسيّة.. وتحت ظلال الشفافية..
محمد بن عبدالعزيز الموسى - بريدة
بإيجاز
أدَبُ الجزيرة حُضُورٌ قوي وإحساس دائم
|