* القاهرة مكتب الجزيرة علي البلهاسي:
ما تزال أجوا ء التقارب المصري الإيراني تشوبها ملامح الحذر والغموض رغم التصريحات المتبادلة بين الجانبين باهمية تحقيق هذا التقارب واتخاذ كل منهم لمواقف ايجابية في سبيل استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما والمقطوعة منذ العام 1979 وكان القرار الإيراني الاخير بتغيير اسم شارع خالد الاسلامبولي المتهم الاول في قضية اغتيال الرئيس المصري السابق انور السادات بمثابة نقطة تحول في السياسة الإيرانية تجاه مصر وذلك في الوقت الذي اعلنت فيه إيران رسميا انها ترغب في اسئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع مصر الا ان ما تردد حول إلغاء زيارة كان من المقرر ان يقوم بها وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي إلى القاهرة لدعوة الرئيس مبارك لحضور مؤتمر قمة مجموعة الدول الإسلامية الثماني الذي يعقد في طهران يومي 19 ، 20 فبراير المقبل ألقى بالكثير من التساؤلات حول طبيعة الموقف المصري من مسألة التقارب مع إيران الذي رغم الترحيب الرسمي به ما يزال يواجه بالحذر في الاوساط السياسية المصرية. ورغم ان إيران اعلنت على لسان نائب الرئيس الإيراني محمد علي ابطحي ان إيران ومصر اتفقتا على اعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما الا ان مصر نفت ان يكون هناك قرار اتخذ بهذا الشأن بعد وقال وزير الخارجية المصري أحمد ماهر: انه لم يتم بعد اتخاذ قرار باعادة العلاقات الديبلوماسية مع إيران وان هذه المسألة ستكون واضحة عندما يصدر بيان مشترك رسمي في البلدين لكنه قال: ان الاتصالات مستمرة بين البلدين على اكثر من مستوى وانها تسير في الاتجاه الصحيح.
ويرى المراقبون ان البيان المشترك حول اعادة العلاقات بين القاهرة وطهران كان من المقرر ان يصدر عقب اجتماع مشترك بين مبارك وخاتمي على هامش قمة الدول الإسلامية الثماني الذي لم يحسم الرئيس مبارك بعد مسألة مشاركته فيها رغم الدعوة الرسمية الإيرانية التي وجهها له الرئيس خاتمي في اللقاء التاريخي الذي تم بينهما على هامش قمة مجتمع المعلومات في جنيف.
حذر وتردد
وفي الوقت الذي تبدو فيه إيران متلهفة لتطبيع علاقاتها مع مصر تسعى القاهرة إلى حسم عدد من مسائل الخلاف بينها وبين طهران اولا قبل الحديث عن تطبيع العلاقات بين البلدين ويقول المراقبون ان إيران تحتاج حاليا إلى تطوير علاقاتها مع مصر لتكمل حلقة الانفراج في علاقاتها العربية بما يساهم في دفع الدبلوماسية الإيرانية نحو مزيد من القوة على الساحة الاقليمية والدولية في ظل استمرار الضغوط الامريكية على إيران.
وتقول مصادر مصرية: ان تغيير اسم شارع الاسلامبولي رغم انه كان العقبة الاكبر في طريق عودة العلاقات بين البلدين الا ان القاهرة لم تبالغ في استقبالها لهذا القرار ووصف وزير الخارجية المصري أحمد ماهر تغيير اسم الشارع بانه خطوة ايجابية مشيرا إلى انه لم يكن من المفروض اصلا اطلاق اسم خالد الاسلامبولي على هذا الشارع وقال ماهر: ان القضية لم تكن قضية شارع فقط ملمحا إلى قضايا اخرى.
وقالت مصادر مصرية: ان هذه القضايا تتعلق بالملف الامني اساسا وعلاقات إيران بدول صديقة لمصر مثل الولايات المتحدة التي ابلغت القاهرة قلقها من النشاط الإيراني في ملفات حقوق الانسان وبرامج الاسلحة النووية واشار الدكتور اسامه الباز المستشار السياسي للرئيس مبارك إلى ان هناك بعض الخلافات في وجهات النظر بين البلدين تجاه عدد من القضايا الا انه شدد على ضرورة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. ويقول المراقبون: ان الموقف المصري من التقارب مع إيران لا يرتبط بقضايا الخلاف الناشبة بينهما منذ سنوات بقدر ما يتربط بالتوقيت الذي تعلن فيه القاهرة تطبيع العلاقات مع طهران ولم تخل الاشارة هنا إلى الزيارة المرتقبه للرئيس مبارك إلى الولايات المتحدة الامريكية وما يمكن ان يؤدي اليه تطبيع العلاقات مع إيران من تداعيات على صعيد العلاقات المصرية الامريكية. ويرى المراقبون ان القاهرة لا ترفض تطبيع العلاقات مع إيران بقدر ما تسعى إلى تأجيل اعلان ذلك إلى الوقت المناسب وهذا ما ابرزته تصريحات وزير الخارجية المصري أحمد ماهر بقوله: انه يجب عدم التسرع مشيرا إلى ان الامور بين البلدين تسير في الاتجاه السليم وعلينا الانتظار للوصول إلى النتائج المرجوة واضاف: ليس لدينا ما نعلنه حول هذا الموضوع لكننا سنعلنه قريبا وقال: انه لا توجد خطط في الوقت الراهن لعقد لقاء بين الرئيس مبارك ونظيره الإيراني، وهو ما يلقى مزيدا من الغموض حول مشاركة مبارك في مؤتمر قمة الدول الإسلامية الثماني في طهران في فبراير المقبل.
تقارب اقتصادي
ورغم حساسية ملف التقارب المصري الإيراني على العلاقات المصرية الامريكية الا ان الحكومة المصرية تواجه ضغوطا داخلية من اجل تحقيق هذا التقارب خاصة من جانب الاوساط الاقتصادية في مصر التي تطالب بضرورة تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين وهو ما يلقى توافقا بشأنه من القاهرة وطهران بعيدا عن خلافات الملف السياسي.
ويقول المراقبون ان الاوساط الاقتصادية في مصر تلقت ضوءا اخضر من القيادة السياسية عقب اللقاء التاريخي الذي تم بين مبارك وخاتمي في جنيف للتعاطي مع السوق الإيرانية التي تحظى باهتمام بالغ واكد مصدر رسمي ان القيادة السياسية في مصر لا تعارض حاليا اى انفتاح اقتصادي معلن مع إيران في مجالات حيوية وباستثمارات مباشرة وقد بدأت بالفعل منظمات الاعمال اجراءات لتفعيل التعاون المشترك خلال الفترة المقبلة.
ويتوقع خبراء الاقتصاد ان يصل حجم الاستثمارات المصرية في إيران خلال السنوات الخمس المقبلة إلى 500 مليون دولار ستبدأها شركة اوراسكوم بنحو 100 مليون دولار في حال فوزها بالرخصة الثانية للهاتف الجوال في إيران في حين تعتزم إيران المشاركة في اقامة مجمع صناعي ضخم في المنطقة الحرة في خليج السويس بقيمة 200 مليون دولار وهو ما يعني ان التقارب المصري الإيراني سيحقق 700 مليون دولار استثمارات مشتركة بين البلدين.
ويرى المراقبون ان المصالح المشتركة بين البلدين والضرورات التي فرضتها التطورات الاخيرة التي شهدتها المنطقة بعد حرب العراق خلقت قناعة لدى كل من طهران والقاهرة بضرورة تجاوز خلافات الماضي وتحقيق التقارب في العلاقات بين البلدين بما يساعد على تحقيق الاستقرار في المنطقة وحماية مصالح البلدين واذا كانت مصر لا تستطيع اغفال الدور المهم الذي يمكن ان تلعبه إيران في العديد من القضايا التي تشهدها المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والازمة العراقية فان إيران لا يمكنها اغفال دور مصر الهام ايضا في هذه القضايا وتستطيع مصر ان تقوم بدور مهم لدى الولايات المتحدة الامريكية للتعامل مع إيران من منطلق الانفتاح عليها وبدء الحوار لاقامة جسور تعاون وصداقة بما يضمن ازالة المخاطر الامريكية عن إيران كما يمهد تحسين العلاقات الإيرانية مع مصر الطريق امام إيران للانضمام بصفة مراقب للجامعة العربية بناء على طلبها بوصف القاهرة المقر الدائم للجامعة العربية منذ عام 1945..
|