* كتب/ الحميدي الحربي:
في زمن تشابه فيه كل شيء حتى الشعر، ينفرد الأمير بدر بن عبدالمحسن في إبداعه بكل معنى كلمة «التفرد»، فهو في شعر العاطفة والوجدان نسيج وحده في الصور.. والأفكار.. والمفردات وقصائده لا تشبه إلا هو في سموه وشموخه.
ففي وجدانياته لون خاص جداً من الشجن الشجي، وفي شعره الوطني سمو وإباء لا يدركه إلا من يغوص فيما وراء الحروف.
بل وفي نثره تميز لا يصلح إلا له.
سُئل مرة عن الملك عبدالعزيز مؤسس هذا الكيان الشامخ - طيب الله ثراه - فماذا قال؟!
لقد أجاب إجابة مختصرة في كلماتها، عميقة في معناها إذ قال: الملك عبدالعزيز.. تاريخ أعشقه وقصائد أخشاها..
سيخوض الخائضون في تفسير هذه العبارة لكنهم لن يصلوا إليه بدقة لأن قائلها هو المبدع بدر بن عبدالمحسن وهو الوحيد الذي يملك تفسيرها الحقيقي، ومثلها الكثير من روائعه التي «نام ملء جفونه عنها وسهر القوم جراها!!».
بدر الأمير.. بدر الإنسان.. عالم لا يعرف خفاياه سوى بدر الشاعر الذي تربع على قمة الإبداع الشعبي على مستوى العالم العربي منذ أكثر من ثلاثة عقود، وما زال بدون منافس رغم كثرة الشعراء المبدعين.. وما زال إبداعه المتفرد يتجدد في كل قصيدة يكتبها وفي أي غرض من أغراض الشعر.
وآخر ما نشر للبدر قصيدة رثائية في عدد الجزيرة الصادر يوم الثلاثاء 7/11/1424هـ كتبها في رحيل الأمير محمد بن خالد بن عبدالله رحمه الله.
تلك القصيدة شغلتني منذ ذلك اليوم، وقد قرأتها عشرات المرات.. واكتشفت بأن كل أهل الشعر شغلوا بها وتحدثوا عنها في مجالسهم.. وما زال الحديث عنها يتجدد.
والقصيدة كلها رائعة من أول كلمة إلى آخر حرف منها.. لكنني توقفت عند هذه الأبيات:
أقفى محمد ما خذا مني علوم
ما قلت له فرقاك حزن وهضايم
وشلون أبا أدله وأشتهي لذة النوم
وأنته بوسط الصدر توقد ضرايم
تغيب لك شمس وتظهر لك نجوم
ما غير أفكر فيك جالس وقايم
أربع ليالي مرت.. وكني اليوم
أدري بموتك.. وأضرب الدرب هايم
الله.. الله.. كم سيحتاج الناقد من صفحات للحديث عن هذه الأبيات الأربعة وما تحمله من مشاعر إنسانية عظيمة.
فالراحل - رحمه الله - في ريعان شبابه وكامل صحته والراثي هو خاله وجد أبنائه.. وصديقه رغم فارق السن لكن العقول لا تتحكم فيها السنون، والقصيدة كلها رائعة «كما أسلفت»، ويكفي أن شاعرها هو المبدع الأمير بدر بن عبدالمحسن.. لكن هذه الأبيات الأربعة هي في نظري منها بمنزلة الروح من الجسد..، وهنا أقف تاركاً إكمال الحديث عن إبداع البدر للناقد المتخصص مع أن ساحتنا الشعبية تخلو من النقاد.
لكن وجود مثل هذا الإبداع يحيي في النفوس الأمل بأن يأتي من يخوض التجربة النقدية بجرأة ووعي.