ثمة ثوابت أوجزها ولي العهد في كلمته التي ألقاها بمناسبة اختتام اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري تنحصر في رفض المزايدة على هذا الوطن ورفض الغلو والتطرف وتوضيح أن المجتمع لن يقبل وجود مثيري الفتن بينه.. وهذا الخطاب بما فيه من شفافية أطلق رسالة واضحة عن طبيعة المرحلة القادمة التي يجب الالتزام فيها بهذه الثوابت وأسس طبيعة الخطاب الثقافي السعودي الجديد إننا إذا ما سلمنا بضرورة تحمل مسؤوليتنا الثقافية في هذه المرحلة وجب علينا توظيف جميع أدواتنا الفكرية وإمكانياتنا الذهنية والمهنية للاستفادة من الحوار القائم بين جميع الكفاءات المشاركة فيه ورفض كل أسس الفوضى والتنظير وتضخيم الذات والنرجسية.. وطرح بعض الأسئلة الجوهرية أمام أنفسنا قد تكون ثقيلة الأجنحة بعض الشيء لكنها تكشف حقيقة ما في داخل المثقف وتحدد مدى قدرته على الاندماج في فريق العمل «الجماعي» للوطن أو عدمه.. هل نمتلك من المرونة واللباقة ما يؤهلنا للمساهمة في إنجاح أهداف الحوار؟ وجعله نعمة لنا بدلاً من تحويله إلى نقمة وخلافات ومذاهب ورؤى شخصية أو تعصبية؟ وهل نمتلك مساحات كافية من الحب وتقبل الآخر تساعد على ذوبان جميع الأسوار المرتفعة التي يفرضها بعض المثقفين حول أطروحاتهم؟
وهل ستتسع مداركنا لأن نستوعب حقيقة أن كلامنا خطأ يحتمل الصواب وكلام غيرنا صواب يحتمل الخطأ؟
إنها أسئلة في مجملها تبدو عادية وغير متعمقة وفيها شيء من البساطة والبعد عن التقعر لكنها جديرة بالطرح حفاظاً على مصداقية المفكر والمثقف السعودي الذي أتاحت له الحكومة فرصة قد يحسده عليها بعض الأشقاء.
نقطة أخرى نرجو الالتفات إليها تدور حول ضرورة احتفاظ بعض من مثقفينا بالهدوء والعقلانية خاصة في أثناء استضافة بعض القنوات الفضائية لهم.. وضرورة امتصاص جميع الآراء مهما كانت درجة تباينها أو اختلافاتها.. فالحوار أساساً قائم على فكر وفكر ورأي ورأي آخر وإذا كنا غير قادرين على هدم ما في نفوسنا من جدران تشعرنا بفضيلة لا تتواجد في من يختلف معنا فأولى لنا المكوث في منازلنا والاكتفاء بمراقبة الآخرين.
وإن كنا نأمل من الإخوة القائمين على مركز الحوار الوطني أن يتلاشوا في دورتهم القادمة في المدينة المنورة ما حدث في مكة المكرمة وأن يحاولوا إشراك المواطنين معهم ليس بالضرورة بالحضور أو المشاركة الفعلية لكن وعلى الأقل نقل ما يدور داخل القاعات من نقاشات وأطروحات في وسائل الإعلام المختلفة وعدم الاكتفاء بالتصريحات التي تطلق على استحياء وبشيء من الاستقطاب هنا أو هناك، وفتح الباب لكل من لديه فكرة ما لإرسالها إلى المركز وتشكيل لجنة أو هيئة من المدعوين للنظر فيما يرفع إليهم وإن رأوا أن ما تم طرحه يستحق المناقشة تتم دعوة صاحب الطرح للاستفادة منه، لأنه ليس بالضرورة تأكيد أن المدعوين في مراكز الحوار هم وحدهم القادرون على إيصالنا إلى بر الأمان، فقد يكون هناك مئات بل آلاف غيرهم لديهم القدرة نفسها ويمتلكون الوعي نفسه إن لم يفق في بعض الأحيان، إنها دعوة فقط لتوسيع قاعدة المشاركة أو إن استقامت التسمية توسيع الفائدة منها.
|