مدينة روضة سدير تلك الجوهرة التي توسطت إقليم سدير بمناظرها الجميلة وبسدها الشهير وبتاريخها العريق وبأهلها الكرام ورحمها الولود برجالات أفاضل خدموا الوطن بالكثير والكثير لا أظن أحداً لا يعرف الروضة إلا وهو يعلم عنها هذه المزايا شأنها كسائر أرض وطننا المعطاء.
وهنا أحب أن أشير إلى أحد رجالات هذه المدينة المخلصين الذين افتقدناهم بالموت ولم نفتقدهم لخصالهم الحميدة وسيرتهم الطيبة التي سارت سيرا طيبا لدى الجميع ممن عرفه أو خالطه أو زاره في مجلسه بعد المغرب من كل يوم يوم.
عبدالعزيز بن عبدالله السويح «ابو محمد» لمن لا يعرفه فهو رجل وهبه الله الكثير من المزايا والخصال التي جعلته محبوبا لدى الجميع.
نشأ نشأة علمية واحب العلم وأهله وكان من رواد التعليم في الروضة وتخرج على يديه أجيال كثيرة من أبناء الروضة فهو أب روحي لهم وما زالوا يتواصلون معه بالزيارة والسؤال حتى آخر أيام حياته.
وهو محب للعلم والثقافة، وشغوف بالقراءة ولم يترك القراءة إلا بعد أن ضعف بصره ولم يترك القراءة مع ذلك بالكلية فالمصحف الكريم إلى جواره دائماً وأبدا وهو كثير القراءة، ولا أنسى أنني في بعض الزيارات لمجلسه العامر أجد كتاب صحيح الإغمام مسلم وكتاب البداية والنهاية لابن كثير يعطران المجلس بالقراءة في مسائل شرعية وتاريخية وأدبية وعلمية.
وأبو محمد منذ نعومة أظفاره وحتى بلوغه العقد الثامن من عمره صاحب وصل للقريب والبعيد من الأقارب والمعارف مع أن حق الزيارة في أغلب الأحيان يكون له، فمع تقدمه في العمر لم يترك هذه السجية الحميدة ولو هاتفيا إذا لم يكن الا الهاتف، ولابد أن يحضر من أبنائه من يمثله في المناسبات، فهو رجل واصل للرحم ولا يترك تفقد الجميع بالسؤال عنهم.
ومع تعدد الأبناء والبنات والأحفاد والأسباط وبنيهم وكثرتهم فهو يعرفهم جميعا ويتفقدهم بالسؤال وبأسمائهم ويعتني بهم عناية كبيرة تدل على قلب رحيم وصدق في المحبة دون تفرقة بين الأبناء والأحفاد في المشاعر.
ولعل أجمل مشاهد عبدالعزيز السويح هو محبته الكبيرة للأطفال ومداعبتهم حتى بعد ان أقعده المرض ولازمه الألم في ركبتيه والمفاصل فهو لا يترك مداعبة الأطفال الصغار بصوته وبحركاته بطريقة تثير الفرحة وتداعب المشاعر للمشاهد وبخاصة اهالي الأطفال الذي يجدون في هذا المنظر مشهداً يثلج صدورهم.
ومما كان يقوله «بيت دون أطفال ودك تهده» أي بيت دون أطفال لا طعم له ودعني أروي لكم مشهداً جميلاً يحبه أبو محمد ويقترب الأطفال منه بسببه، فأبو محمد - رحمه الله- كث اللحية وما ان يقترب منه أحد الأطفال حتى يعطيه أبو محمد المشط من أجل تمشيط لحيته وهو مقعد على سريره فتجد أن هذه متعة كبيرة للأطفال لاسيما للبنيات الصغيرات اللائي يهتممن كثيرا بهذا الجانب، ولا انسى ابنتي حصة ذات أربع سنوات «آنذاك» وهي ابنة حفيدته تشتاق كثيرا لزيارته من أجل القيام بتمشيط شعره والجلوس بقربه رحمه الله.
ومن مزايا عبدالعزيز السويح بل ومن إبداعاته التي عرفها الجميع عنه اهتمامه الكبير بأحوال الطقس وتحركات السحاب حتى أنه لا يقدم شخص من أجل السلام عليه الا وبعد ان يتبادلا السلام والسؤال عما يهم يبادره بسؤاله المعتاد: هل واجهتم السحاب في طريقكم وفي أي مكان حتى ولو كان ذلك بفصل الصيف فهو يهتم بهذا الجانب اهتماماً كبيراً ويجب سماع أخبار هطول المطر في أي مكان كان سواء كان قريبا منه أو بعيدا عنه وتتهلل أسارير وجه عند سماع مثل هذه الأخبار، وقد سرت هذه الموهبة إلى جميع أفراد منزله الذكور والاناث فأصبحوا وكانهم موظفو أرصاد يعلمون الصغيرة والكبيرة في هذا المجال.
وحتى أنه بعد ان أقعده المرض في آخر عمره وأصبح لا يخرج من المنزل لأي سبب كان لا يفوت الخروج بعد هطول المطر لرؤية مناظر تعود على رؤيتها منذ صغره كسد الروضة الشهير وشعاب الروضة.
وقد رزقه الله بالعديد من الأبناء والبنات ممن خدم الدين والوطن في مواقع عديدة، وهم الأستاذ محمد، والشيخ الداعية عبدالرحمن المدرس في المعهد العلمي بحوطة سدير ومدير مكتب الدعوة والإرشاد بالحوطة، والأستاذ سعد والأستاذ صالح والأستاذ عبدالواحد، وهم من رجالات التعليم.
وفي الجانب الآخر فإن بناته ممن تعلم وواصل التعليم فأصبحن معلمات يقدمن الخدمة لدينهن ووطنهن وواصلن سيرهن في الحياة سيراً طيباً، ورزق أبو محمد أصهاراً على نفس المكانة، فأكبر الأصهار هو المربي الفاضل الشيخ إبراهيم بن محمد السويح، ويليه الضابط المتقاعد بالحرس الوطني محمد بن عبدالرحمن الشايع، ثم الشيخ حمد بن عبدالله الحليلة من منسوبي وزارة الشؤون الإسلامية ثم الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز المعيلي مدير التعليم بمنطقة الرياض ثم الضابط بالدفاع المدني خالد بن محمد الضويحي وشقيقه الشيخ صالح بن محمد الضويحي من رجالات التعليم.
وقد وقفت على عبارات جميلة كتبتها ابنته الأستاذة «أسماء» أم محمد الضويحي» - وفقها الله في رثاء والدها انقلها للقارىء الكريم لما احتوت من مشاهد مؤثرة حيث قالت: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، قال تعالى: { وبشر الصابرين ، الذين إذّا أصابتهم مٍَصٌيبّةِ قّالٍوا -انا لله وانا اليه راجعون}، في مساء يوم الاحد الساعة الحادية عشرة مساء ليلة الاثنين رحل عنا والدي الحبيب العطوف السخي الكريم المحبوب عبدالعزيز بن عبدالله السويح رحل عن الدنيا الفانية، رحل عن الشقاء والتعب رحل بجوار رب العالمين، رحل وقلبي يتقطع أسى وحزنا لفراقه، رحل وقلبي يعتصر حرقة وألما لوداعه، رحل ونفسي تملؤها الأشجان، لو سطرت هذه الأحزان على ألوف المداد فلن توفي مقدار الأسى في قلبي تجاهه، رحل عني وفؤادي يكاد يحترق من قوة ذكراه في قلبي.
هذا ما قالته ابنته ونسأل الله أن يغفر له ويرحمه.
|