يتوجه الحاج إلى مكة قاصداً بيت الله الحرام يحل ضيفاً على صاحب هذا البيت، راجياً عفوه ورضاه وطامعاً في رحمته وكرمه متجرداً من لهو الدنيا وترفها، مقبلاً على قضاء نسكه، متفرغاً لعبادة ربه.
هذه الروحانية التي يتنسم عبيرها الحاج منذ أن يبدأ في أخذ أهبته للحج، وهذه اللهفة وهذا الشوق اللذان يأخذان بمشاعره كل ذلك يقابله لهفة وشوق إليه من طرف آخر غير حاج إنهم أبناء الحاج وأفراد أسرته الآخرون وأحباؤه وأقرباؤه.
هم يتلهفون إلى لقائه بعد أداء مناسك الحج ويرجون عودته سالماً غانماً: كيف؟ هل هناك ما يخفيهم؟
في أزمان غابرة كان الهاجس الذي يرافق الحاج وأهله هو الخوف من غائلة الطريق والسفر الطويل المرهق أو قطاع الطرق، أو الهلاك من أوبئة فتاكة تظهر بين الحين والآخر.
أين نحن من هذا الآن؟ لقد تغير الحال ولله الحمد إلى أمن وأمان وراحة في الحل والترحال وظروف صحية جيدة ورعاية طبية لكل مريض حاج.
ومع ذلك يبقى شيء من عدم الاطمئنان يساور ذوي الحاج وهو أنه لا ينتبه لأمر صحته أو سلامته. وأول ذلك أن لا يبالي بأخذ لقاح الحمى الشوكية الذي يعطى لكل حاج من داخل أو خارج المملكة.
وهو إن كان حاجاً عن طريق البر - وما أكثر حجاج الداخل الذين يحجون بسياراتهم - فهو عرضة لحادثة في الطريق إذا لم يكترث بخطورة السرعة أو بحالة السيارة أو بسلوك غيره من مستخدمي الطريق.
وهو أيضاً عرضة للإصابة بعدوى جرثومة أو فيروس مسبب للالتهاب، إذا لم يكترث - غير مضطر لذلك - بالزحام وأطال المكث في الأماكن المزدحمة أو أحنى رأسه لحلاق يجري موسه من حاج إلى آخر.
وهو عرضة للإعياء أو الاعتلال إن أطلق العنان لمعدته أكلاً وشرباً - مستجيباً لكرم بعض حملات الحج - الداخلية منها خاصة ، أو تناسى ما قد يحمل من أعباء السن أو المرض فأرهق نفسه بالسير الطويل أو التعرض للبرد أو المزاحمة أو غير ذلك من ألوان المشقة، أو أهمل في تناول دواء موصوف له فإن حصل شيء من ذلك - لا سمح الله - فسوف يرى أنه يستفيد - غاية الفائدة - من سوار المعصم الذي يعرف به وبحالته الصحية.
أخيراً - فإن الوعي بالواجبات الصحية ليس ترفاً ثقافياً - بل هو - بإذن الله - عون للحاج وسند له في القيام بواجباته الدينية. إن روحانية الحج وقدسيته لا تتطلب من الحاج زهداً في أخذ الحيطة والحذر من المخاطر الصحية فهناك من ينتظر عودته سالماً غانماً بإذن الله.
|