أطيف من الماضي يلوح على البعد
أم النفس في حلم أم القلب في وجد
بلى طفت في صحراء عمري ناشدا
اخلاء نفس افردوني هنا وحدي
هم الآل والأصحاب كيف تفرقوا
وأين رست أفلاك عمرهم بعدي
وقفت أناجيهم وفي العين عبرة
أكفكفها عني فتلعب في الخد
كأني وقد جاوزت خمسين حجة
بذكرهم طفل يحن إلى المهد
سلام على الماضي وان كان طيفه
يظل بعيني قائما غير مرتد
ذكرت به افلاذ قلب ورفقة
قضوا من لبانات الهوى غاية القصد
فما كانت الدنيا لهم غير غادة
تعلمهم إلا حياة بلا ود
ألست ترى الزوجين في كل كائن
حياتها تبقى على القرب لا البعد
إلا أيها الماضي الذي قد دفنته
بصدري لقد عيل اصطباري فما يجدي
ألا تتركني اجتلي لك صورة
تقربها عيني ويطوى بها سهدي
لقد كنت بستانا تفتح زهره
على قطرات من شباب ومن جهدي
يغني به طيري على حب زنبق
تمايل أو في مائس العود والرند
ألا أين ولي كيف جفت وروده
وما جف لي دمع على سالف العهد
وصرنا إلى دنيا خلت من نعيمها
تهيم مع الأحلام في الصدر والورد
لقد لاح في عمري كبرق سحابة
تلوح لتخفى في السماء مع الرعد
أكان خيالا عابرا لم أحسه
سوى نظرة بالعين أو فكرة الرشد
ألم يك من عمري بلى: قد قضيته
ولكن كشيخ مائل العود والقد
بسمت فلما لم أجد لابتسامتي
صداها على الافواه ملت إلى الضد
وغنيت للدنيا فلما تجهمت
بكيت بكاء المستهام على الصد
فلم يك شعرا ما ترون وإنما
هو القلب يبكي والعيون له تبدي
«سلام على الدنيا سلام مودع»
وأهلا بدار قد أقيمت على الخلد
عزائي ان المرء فيها مكافأ
بما فاز في سعي وما نال من حمد