كتب الأستاذ عبدالله الكثيري موضوعا بعنوان كم «راتبه»؟! في صفحة شواطئ في العدد 11425 وتاريخ 17 من ذي القعدة 1424هـ.. وقد لام بعض الآباء ووجه إليهم العتب على شروطهم التعجيزية وأسئلتهم الغريبة للمتقدم لبناتهم مما قد يعيق مسألة الزواج.. ومن ضمن هذه الشروط أو الأسئلة التي ذكرها الأستاذ عبدالله: هل يسافر؟ هل يعمل وكم راتبه؟ ويسرني أن أبدي وجهة نظري في هذه القضية الأسرية الاجتماعية. فأقول مستعيناً بالله: أخي عبدالله صدقني أن المشكلة ليست في الزواج بحد ذاته ولكن المشكلة الأساس فيما بعد الزواج والاستقرار إن كان هناك استقرار.. المشكلة في ذهاب السكرة ومجيء الفكرة كما يقولون. فالحياة الزوجية أن قدر أن تستمر عشرة عمر تدوم سنين طويلة قد تمتد إلى أكثر من عقدين من الزمن.. لا بد فيها من المشاكل والمنغصات ولا بد لها من الحكمة والصبر والجلد. فمن ليس لديه هذه الأشياء أو بعضها على الأقل فلن يستمر.. والمال كما نعرف هو عصب الحياة وهو من أكبر وأكثر العوامل المساعدة في استمرار الحياة الزوجية.. وإن قال أحد غير ذلك فهو يجانب الحقيقة وكمن يدس رأسه في الرمال..
المال يخفي الكثير من العيوب في الحياة الزوجية سواء لدى المرأة أو الرجل والمال يكمل نواقص عديدة قد تكون موجودة في شخصية وسلوك الزوجين المال قد يخفى أخطاء كثيرة لا تغتفر في ظل عدم وجوده.. ويضفي الصبر والتسامح «والتطنيش» أحياناً من أجل استمرار الحياة الزوجية وربما العكس صحيح.. كثير من الحياة الزوجية تفككت وتهدمت بسبب عدم وجود المال وقد يضحي أحدهم بالآخر بسبب عدم تحمل الفقر الذي يحيط بالأسرة بل إن الحب الذي كان مشتعلا في يوم من الأيام والذي يتشدق به الزوجان قد يخرج من الشباك إذا دخل الفقر من الباب وهذه هي الحقيقة مهما حاولنا أن نخفيها أو بينا بأننا مثاليون ولا نهتم بذلك.. فكم من زوج فارق زوجته من أجل المال والعكس صحيح وكم من رجل وامرأة وقفا في المحاكم ضد بعضهما البعض من أجل مشاكل مادية وكم من رجل خرج من بيته في ليلة حالكة السواد بسبب ضيق ذات اليد وعدم استطاعته توفير أبسط متطلبات أطفاله وزوجته وكم من زوجة كرهت زوجها بسبب فقره الذي ليس للمسكين يد فيه وغادرت عش الزوجية دون رجعة بل ربما وصل بها الحال إلى أن ترمي بأطفاله إليه.
أستاذي عبدالله: الحياة صعبة والتكاليف باهظة والمصروفات تفوق الخيال.. ماذا يفعل من مرتبه ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة آلاف ريال؟ لمن يعطيها؟ هل يعطيها للزوجة والأبناء والمنزل أم يعطيها لصاحب المنزل المستأجر الذي لا يرحم؟ أم للفواتير التي تقصم الظهر؟ أم لقسط السيارة وتكاليف الدراسة ومؤونة الصيف والشتاء؟ وذلك الطفل الذي يولد ويريد رعاية صحية كاملة حتى يدخل المدرسة عندها تبدأ معاناة أخرى الله بها عليم..
أخي العزيز عبدالله: الطفل لا يعترف بمحدودية دخلك ولا بقلة مرتبك ولا يعرف مصاريفك الأخرى فهمه الأول والأخير أن تلبي احتياجاته وتجلب له كل ما يريد بغض النظر من أين؟ المراهق يريد إشباع حاجاته بأية طريقة كانت والمرأة أحياناً كثيرة كالمراهق والطفل تريد كل شيء ولا يهمها من أين ولا بأية طريقة تأتي ربما دفعت زوجها بإلحاحها المستمر إلى الديون ومن ثم السجن والضياع.. الفقر ربما يؤدي إلى الانحراف ومن ثم السرقة بقصد إشباع الحاجات وتحقيق الرغبات وبالتالي السجن والطلاق.. الفقر ربما يؤدي إلى الانحراف فالإدمان فالترويج أو الجنون أو الموت أو السجن ومن ثم الطلاق والضياع والتفكك.. الفقر لا يخلف إلا الجهل والمرض والتخلف ومن ثم صعوبة تلبية أبسط الاحتياجات للأسرة مما يترتب عليه ضغوط نفسية لا تحتمل يأتي بعدها الانهيار الذي قد يشمل الجميع.. وما هذا إلا غيض من فيض من المشاكل التي يسببها الفقر.. أبعد هذا كله أخي عبدالله لا تريد من الأب أن يكون حريصا على مستقبل ابنته بعد توفيق الله؟ كل هذا ولا تريد الشاب أن يفكر ألف مرة ومرة قبل أن يقدم على الزواج؟ كل هذا وغيره ولا تريد من ولي الأمر أن يسأل عن راتب زوج ابنته المنتظر؟ يا أخي الفاضل الحق كل الحق مع ذلك الأب الذي لا يريد أن يرى ابنته تعيش في قصر منيف بين الخدم والحشم ولكنه يريد أن يراها مستورة فقط في بيت زوجها ومع أطفالها.. بدلاً من سؤال الناس هذا أعطاهم وهذا يمنعهم.. أتعرف أخي عبدالله أن آخر إحصائية للمجتمع تقول إن ما يقارب 60 - 70% من أفراد المجتمع هم من الشباب في سن العشرين وربما أقل.. أتعرف ما معنى هذا الكلام ان كانت الإحصائية صحيحة؟ معناه أن هؤلاء الشباب إما أنهم لا يزالون على مقاعد الدراسة ويعتمدون على الغير أو أنهم عاطلون عن العمل وهذه كارثة فكيف يتزوج من كان كذلك؟ أو أنهم يعملون في وظائف دنيا براتب بخس لا يكفي ربما لمدة أسبوع من الشهر فما بالك ببيت وزوجة وأولاد ومسؤولية وإيجار مسكن وفواتير وقسط سيارة وغير ذلك من الالتزامات الضرورية.. هؤلاء أخي عبدالله فلذات الأكباد والآباء لا يطلبون المستحيل وإنما يطلبون حد العفاف ولم يجدوا حتى هذا للأسف فمعظم المتقدمين للزواج اما طامع في مرتب الزوجة بمرتب لا يكفى حتى لأبسط حقوق الزوجة والأولاد.. أو معتمد بعد الله على أبيه الذي لن يدوم له.. وقد نلتمس العذر للكثير من الشباب لأن هذا الأمر تتحكم فيه الكثير من الظروف الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ولذلك فإن المشكلة يجب أن تحل على مستوى اجتماعي حكومي كبير وذلك بتضافر كل الجهود مجتمعة وأن تساهم المؤسسات المختلفة والجمعيات الخيرية والبنوك والإدارات سواء الحكومية منها أو الأهلية في تذليل الصعاب وإعانة الشباب وتوفير فرص العمل وزيادة المرتبات وتسهيل سبل العيش الكريم وإيجاد المساكن بقروض ميسرة على المدى الطويل دون الحصول على فوائد باهظة فهل نرى ذلك ونلمسه في المستقبل القريب؟ أعتقد سيبقى الجواب معلقاً حتى إشعار آخر..
فاصلة:
فإن تسألوني عن أحوال النساء فإنني
خبير بأحوال النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل ما له
فليس له في ودهن نصيب
عبدالرحمن عقيل حمود المساوي
أخصائي اجتماعي- الرياض 11768- ص.ب: 155546 |