تباشرت الأوساط السعودية بجميع مستوياتها بالخطوة الطموحة التي تتمثل بتدريب مائة ألف شاب سعودي في مجالات فنية وتقنية ورصد أكثر من ثلاثة مليارات وسبعمائة مليون ريال لهذا المشروع الطموح الذي يقدم لشبابنا المتلهفين لخدمة دينهم ثم وطنهم.
وإذا كنا نقول إن مدى صحة وسلامة المجتمعات بتعداد وعدد الشباب في هذا المجتمع ومساهمة هذه الفئة في بناء المجتمع ونموه الحضاري فإننا بفضل الله مجتمع شاب فتي يشكل الشباب نسبة كبيرة من التعداد السكاني، وحق لنا أن نفخر ونفاخر بهؤلاء الفتية والفتيات، ممن على أيديهم ستقوم نهضة بل نهضات من التنمية الرشيدة والراشدة وما ذلك على الله بعزيز. وللدخول والمداخلة والتداخل مع التدريب بوصفه نشاطاً يشتمل على اكتساب مهارات حياتية وعلمية وعملية لابد مسبقاً أن نشيد بقدرات شبابنا وقدرتهم على التعاطي مع العلوم كافة وسائر المناشط الحياتية بكفاءة واقتدار ولا أدل على ذلك من النجاح والنجاحات التي تحققت لفئة من الشباب في مجالات متعددة، عندما تمت رعايتهم والاهتمام بهم والأخذ بأيديهم إلى مرافىء الصعود الإبداعية.
إن الاحتفاء والاحتفال بهذه النجاحات ينسينا أحياناً كيف تكون هذا النجاح وكيف تمت صناعته وصياغته، وما ذلك إلا لأننا ربما نحتفي بالنتيجة أو المحصلة النهائية وتغيب أو تغيب الوسائل والطرائق لصناعة هذا النجاح.
إن النجاح بوصفه نتيجة لا يمكن دراسته بالغفلة عن طريقة صناعته ووسائل الوصول إليه وليس هذا مقام الحديث عن النجاح أو الناجحين بالتفصيل، ولكن سنتحدث عن إحدى وسائل النجاح وإحدى وسائل الرقي والارتقاء للمجتمعات وهو التدريب بكل وسائله وسائر مناحيه، والذي لا غنية عنه في كل التخصصات وسائر العلوم من دون استثناء.
إن التعليم معرفة والتدريب مهارة.
إن التعليم وعي والتدريب ممارسة.
وبين المعرفة والوعي من جهة والمهارة والممارسة من جهة أخرى تبني الأمة مجدها وتصنع حضارتها.
والتدريب ثم التدريب ثم التدريب هو طريق شبابنا إلى اكتساب المهارات وصقل الملكات والتحلي بالمزايا والمميزات، فهناك في أعماق كل إنسان منا يوجد كل ما يحتاجه ذلك الإنسان من موارد ومهارات، ومزايا وملكات، ولكنها كامنة تحتاج إلى اكتشاف، أو معطلة فتحتاج إلى تفعيل، وربما كانت فاعلة فتحتاج إلى تطوير، والاكتشاف والتفعيل والتطوير إنما هي وسائل التدريب ونتائجه.
وإذا كنا نذكر نتائج التدريب فإن أهم نتائجه على الإطلاق اكتساب المهارات.
إن المهارة هامة ومهمة في زمن الوفرة كيما نختار الأفضل، والمهارة هامة ومهمة في زمن الندرة كيما نكون الأفضل. وبين الوفرة والندرة تبقى المهارة مطلباً ليس للشباب فحسب ولكن للجميع.
ذلك أن المهارة تَميزٌ والتميزُ مطلب وهدف، والمهارة غنية بعد الله، وخير الناس من أكل من كسب يده.
والمتتبع للهدي النبوي يجد الصادق المصدوق أمر بالإتقان والإحسان «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه». وهو عليه السلام أخذ بيد الرجل ودله على الاحتطاب فاستغنى عن سؤال الناس.
في نشرة لجامعة هارفرد قسمت المهارات إلى ثلاثة أنماط:
1- مهارات تصورية: وهي المهارات التي تتعلق بالإبداع والتصور والاستنتاج والقدرة على التفكير الإستراتيجي والقيادي.
2- مهارات فنية: وهي مهارة عملية تتعلق بالقدرة على تشغيل وصيانة المعدات والرسم الهندسي وتنظيم الملفات وغيرها.
3- مهارات إنسانية: وهي تلك المهارات التي تتعلق بإدارة الذات والاتصال الإنساني والتعامل مع الآخرين ومعرفة أنماط الشخصية.
هذا التقسيم الثلاثي يهب الإنسان قدرة على معرفة ما ينقصه وأين هو في درجات اكتساب هذه المهارات. وأخشى ما نخشاه أن يقوم القائمون على المشروع «تدريب وتوظيف مائة ألف شاب سعودي» بالاهتمام بالنواحي الفنية فقط ويهملون الجوانب التصورية أو الإنسانية فتكون الجهود مبتورة ومنقوصة من حيث ندري ولا ندري.
إن عجلة تنمية المهارات كيما تدور وتؤتي أكلها بإرذن الله لا تتم إلا بإعطاء هذه الجوانب حقها ومستحقها فتأتي موزونة ومتوازنة.
ولاكتساب المهارات والتدرب عليها قانون توصلت إليه بعد تأمل أسميته قانون المهارة الذي يقوم على ثلاث ركائز لا يمكن أن تكتمل المهارة دونها، وهذه الركائز الثلاث هي:
الركيزة الأولى: المعرفة وهو أن يعرف الإنسان ماذا يفعل؟ ولماذا يفعل؟ وكيف يفعل؟ وهذا هو الإطار النظري للمهارة ويتم بالقراءة والاطلاع الجاد المتكرر لما يراد التدرب عليه.
الركيزة الثانية: الرغبة ونعني بها الجانب التحفيزي لدى الإنسان والحماس منه للقيام بهذا العمل، فدون هذا الحماس والرغبة تبقى المهارة عقلية معرفية فقط.
الركيزة الثالثة: الدربة والمران وأعني بها التدريب ثم التدريب ثم التدريب إذ إن المرء يقوم بالعمل فلا يجيده ثم ما يلبث أن يكرره مراراً وتكراراً حتى يصبح ملكة تنساب من اللا شعور دون وعي.
إن المهارة هي التقاء هذه الدوائر الثلاث، وفي بؤرتها تكون المهارة.
إن المهارة هي خليط متوازن معتدل من المعرفة والرغبة والتدريب ومتى ما توافرت هذه الركائز الثلاث، فأبشر فلقد أصبحت ماهراً.
قد يقول قائل: كيف ومتى؟ فأقول:
أخلق بذي الصبر ان يحظى بحاجته
ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
إن التدريب دثار لستر عورة التعليم، وكم نتمنى أن يكون دثارنا جميلاً يسر الناظرين، وان يحقق هذا الدثار الآمال المرجوة والمرتقبة منه.
فهو خطوة في الطريق الصحيح، وهو خطوة إلى الأمام، وهو خطوة في سياق خطى وخطوات لتحقيق الآمال والطموحات.
|