أكرم الله أمة الإسلام بخيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وسعى مجتمعنا السعودي في ميدان القيام بهذه الأمانة الكبرى سعياً جاداً، من خلال دعم وتشجيع كل ما يكفل للناس تحقق المعروف، ومناهضة وتبيان ما يمكن ان يوقعهم في قول أو فعلٍ منكر. ومضت مؤسسات المجتمع المختلفة لتأسيس ودعم هذه القيمة المجتمعية المستمدة من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولقي هذا المنهج قبولا من خاصة الناس وعامتهم، لمايعود به عليهم من منافع عظيمة لحفظ كلياتهم وضمان سلامتهم، فكراً وسلوكاً. حيث بدا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهجاً مستقراً في المجتمع، تقوم به دوائر المجتمع المختلفة، تفرّدت هذه الوظيفة المجتمعية النبيلة بإنشاء (الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) باعتبارها منتجاً مؤسسياً يتولى عملية الإشراف والتنفيذ لمهمات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع.
وبإجراء نظرة فاحصة لتاريخ هذه المؤسسة وواقعها المعاصر، نكاد نجزم بأنها قد حفظت مواطن كثيرة في فكر المجتمع وسلوكه من أن تنالها معاول الهدم والإفساد. كما نوشك ان نتيقن -أيضاً- من أنها قد عانت ولا تزال من مشكلات في نسيجها المؤسسي، وآليات ممارستها لدورها المجتمعي. ذلك أنها مؤسسة من بين مؤسسات المجتمع النامي التي لا تكاد تخلو من مواطن الضعف والإشكال. ولعل الأهم في وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمعنا السعودي (المعاصر) ان يتم التوجه إلى تحقيق الأمرين التاليين:
الأول، أن ندرك أن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعد وظيفة اتصالية في المقام الأول، قوامها الاتصال بالناس. وهو اتصال خطير جداً، لأنه يقوم على مخاطبة الناس في أكثر الأمور خصوصية، فكراً وسلوكاً، مما قد يعتقد معه بعض الناس، إنه من غير اللائق التدخل في هذه الخصوصيات حتى عبر منظومة مؤسسية. وعند النظر إلى هذه الحقيقة في ظل الفهم العميق لمعطيات الواقع العالمي والمحلي المعاصرين، تبدو مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشد تعقيداً وأكثر خطورة. ولذا، فلابد من ان يخضع كل من يتصدى لهذه المهمة الجسيمة في مجتمعنا الكبير إلى دورات مكثفة ومتعمقة جدا في علم الاتصال الإنساني، حتى لا نؤتى من ثغرة خطيرة في نسيجنا الاتصالي المجتمعي. ومن لايتمكن من اجتياز هذه الدورات بكفاءة عالية جدا، يحال مباشرة إلى أعمال مكتبية.
الثاني: أن نعلم أن المرحلة الراهنة والمرحلة المستقبلية في مجتمعنا السعودي تتطلبان -دون شك- إعادة النظر في أولويات عمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعبر إعادة النظر في أولويات تنفيذ هذه المهمة المجتمعية النبيلة، فمن الضروري ان تعنى الرئاسة- عبر هيئاتها المتعددة- بجدولة مكافحة الإرهاب المجتمعي ضمن أولويات عملها الراهنة والمستقبلية، في إطار نهيها عن المنكر. فليس ثمة منكر -اليوم- أعظم من استباحة الدماء، وقتل الأبرياء، وهدم البيوت وانتهاك حرمات الناس وترويعهم، حيث ينبغي ايقاف المنحرفين الذين يكفرون المسلمين، ومنعهم من النيل من حقوق العباد، وأمرهم بالطاعة ونهيهم عن شقها. لقد سجلت هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنجازات أمنية كبيرة جداً خلال عقود مضت، عبر جهودها في مجالات متعددة. لكن تقويم أداء هذه الهيئات اليوم يجب أن يكون مؤسساً على مدى قدرتها في مواجهة التطرف والغلو والعنف والإرهاب وملاحقة كياناته المتخفية في الظلام، والكشف عنها، وإخضاعها للعدالة المجتمعية.
(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|