تعود علاقتنا بفضيلة الشيخ ابراهيم الحديثي رحمه الله وأسرته إلى الفترة التي كان فيها والدي رحمه الله أميراً للقنفذة وفضيلة الشيخ قاضي البلدة، ثم نمت وتطورت عندما كان والدي وكيلا لإمارة عسير، وفضيلته رئيساً لمحاكمها، وأصبحنا نراه ونستمع إلى حديثه ونستمتع به، وعرفنا في شخصه صفات العلماء الفضلاء.
يقول الشاعر:
إن نصف الناس أعداء لمن
ولي الأحكام هذا إن عدل |
إن هذا البيت لا ينطبق على فضيلة الشيخ الحديثي، فليس له أعداء، بل لقد رزقه الله حب الناس واحترامهم وتقديرهم له، لما اتصف به من العلم والعدل والحلم.
يعتبر فضيلته من الرعيل الأول من القضاة الذين كان الناس يلجأون إليه لفض المنازعات وحل الخلافات دون الحاجة إلى استدعاء أو مواعيد، بل ينتهون إليهم، فلا يخرجون من عندهم إلا وقد رضي كل بما سمع من حكم، فالمتنازعون يذهبون إلى القضاة اختيارا وينزلون عند أحكامهم طواعية، ونفوسهم راضية، ولم تكن خلافاتهم تفسد الود بينهم.
وفضيلته إلى جانب علمه الشرعي كان يملك من الحكمة والمعرفة بالعادات والتقاليد والأعراف ما يعينه على إصلاح ذات البين، والفصل في المنازعات والخلافات بما يرضي جميع الأطراف، وهو في كل ذلك لا تأخذه في شرع الله لومة لائم.
وكان رحمه الله محباً للعلم وأهله، يمنح طلابه فسحة من وقته للتعلم والسؤال والبحث والنقاش، وفتح بيته لذلك، واستقبلهم برحابة صدره، حتى وهو في شدة مرضه.
ومن نعم الله عليه ان يرى من أبنائه من يقتفي أثره ويسير على طريقته فتقر به عينه، فهذا ابنه فضيلة الشيخ محمد وصل به علمه وفضله إلى أن يكون رئيسا لمحاكم عسير خلفاً لوالده رحمه الله.
فإن كان فضيلة الشيخ ابراهيم رحمه الله قد انقطع عن الحياة بجسده، فقد خلف أولاداً صالحين يدعون له، وترك علماً ينتفع به، وذكراً طيباً يشيع بين الناس يترحمون عليه كلما جاء ذكره، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
{انا لله وانا اليه راجعونّ}
|