قالت: طفلي يحب العصافير.. يطعمها.. يسقيها، يداعبها، يغني لها، يلاطفها، مشغول بها طوال الوقت.. كنت لا أحب منظرها وهي داخل الأقفاص..
ولكنه كان أنانياً معها في التعامل، يريدها أن تغرد دائماً وتهلل حين تراه.
كنت: أتخوف وأحتار من شخصيته، كان متقلِّب المزاج.. يكره تبرير تصرفاته أحياناً يهملها، وأحياناً ينطلق نحوها، ويقول: صباحك سكر.. صباحك مسك وعنبر، صباحك ألف جزيرة صحو، ويفتح لها الأبواب ويطلقها..
طفلي في اصطياده غريب.. فمرةً يصطاد بالبندقية، ومرة بالحبال وآخر مرة حاول الاصطياد بيديه.. وفعل!!
كان عصفوراً جميلاً أبيض، احتضنه بين يديه وقبَّله قبلةً طويلة فأحس العصفور بالأمان، في دفء يديه، وأغمض عينيه، قال لي: وهو في فمه بسعادة «ماما» الله هذا ما كنت أتمناه..
يوجد هناك الكثير على الشجرة، سأصطاد منها المزيد.. وأخذ العصفور في إحدى يديه، وحاول التسلق باليد الأخرى.. وعند ما وصل إلى أعلى الشجرة، طارت العصافير فنزل وهو حزين لطيرانها، وكان عزاؤه في العصفور الذي بين يديه..
ولكن عندما نظر إليه، وجده في الرمق الأخير.. أتدرون لماذا؟!
لأنه في تسلقه كان يشد قبضته عليه كتشديده على الوصول للقمة، وهكذا مات حبيبه بين يديه وهو لم يعلم ومن ذلك الحين وهو في حالة ندم يُرثى لها.
قولي لي بربك: ماذا أفعل؟!
كيف أجعله ينسى موت عصفوره الحبيب؟!!
فأجبتها..
لا تفعلي شيئاً، دعيه يندم.. بل وقولي له بأن عصفوره لم يمت، بَلْ قُتِلْ.. قُتِل وهو يستغيث.. والجميع كان يرى ويسمع.. (إلا هو) كان آخر من يرى وآخر من يسمع.
فبالتالي آخر مَنْ يعلم. وعلِّمية أن الحب عطاء.. وقولي له بأن عصفوره لم يمت لأنه شدد قبضته عليه، بل لأنه في تسلقه كان يرى كل شيء إلاَّ ما بين يديه، قولي له بأنه في صعوده لم يكن ينظر إليه من حين لآخر لينعش روحه، بل جعل برودة يديه ومشاعره.. تنتزع روح المسكين الذي ظن لأول وهلة أنه يتدفأ في أحضان عشه..
قولي له بأن ما بين يديه ليس مضموناً له دائماً... قولي له بأن عصفوره لو لم يمت كان سيطير من بين يديه (لغيره).. لأن العصافير لا تحب أصحاب الأيدي الباردة والطباع الحادة..
عزيزتي.. دعيه يندم.. دعيه يندم.. ما دام ندمه ندم العصافير...
لحظة دفء:
الحب عاطفةٌ أودعها الله في جميع مخلوقاته والحب أسمى غريزة إنسانية، ويتخذ الحب أشكالاً عديدة أولها حب الله، ثم حب الوطن، حب الأسرة، حب الزوج، حب القيم العليا، وحب العصافير والفراشات والزهور فكل ما يجعل الإنسان أليفاً ودوداً تجاه أي شيء هو حبٌ بدرجة من الدرجات.
قد يشعر الإنسان بحبه، وقد يسعد.. فالحب والوجد، والعشق لها طعم خاص ولذيذ، فالحب يلعب دوراً أساسياً في جعل الإنسان أكثر رقة وصفاءً وتهذيباً.
الحب يعيد التكوين، ويصقل المواهب، الحب هو كملاقاة الرذاذ والمطر.. يعلم الإنسان أشياءً كثيرة.. وجميلة ويجعله أكثر انسجاماً، وأكثر صفاءً، وأكثر صدقاً وشفافية وأكثر نبلاً ورقة مشاعر، الحب هو عالم الدهشة والابداع، والعطاء، والوجد، والسهر، والتأمل والشعر.
الحب حريقٌ وبريقٌ، ورعدٌ ومطر..
الحب هو التنهيدة، والشهقة، والدمعة، والآهة، والابتسامة، والأمل، والاحلام.
الحب هو البريق، والحريق، والغدير، والهدير.
الحب هو البركان، والرياح والسفينة هو الاطمئنان والسكينة.
وبعد:
إلى كل الأزواج مع التحية:
* المرأة أهم من الكتاب، ومن الجلسات الخاصة والدائمة مع الأصدقاء للعب البلوت، أو قضاء الوقت أمام الفضائيات.. فهؤلاء ضرة الزوجة اللدود.
* المرأة كثيراً ما تغار من مقتنيات زوجها خاصةً التي تشاركها في حد كبير تفاصيل حياتها.. الكمبيوتر، والانترنت، والساعات الطويلة التي يمكث عندها الزوج مستغرقاً تاركاً زوجته تنظر إليه وتحترق.. تريد أن يكون هذا الوقت، أو نصفه، أو ثلثه أو بعضه لها ولأولادها.
* رفقاً بالقوارير (الإنسانية) أيها الزوج
لا... الغازية..
لئلا ينتهي الحب.. ويذهب دون استئذان.
لئلا يعرف الأمل طعم الألم.
لئلا تيبس الأرض ولا ينزل المطر
لئلا يجف اصرارها على المضي نحو العطاء.
لئلا ينتهي الحلم وتنكسر الروح.
وتموت العصافير..
ولئلا نندم ويكون ندمنا أكبر من ندم العصافير.
الحب.. عطاء.. عطاء.. وعطاء.
|