إن مؤسسة «الأدلاء»، في المدينة المنورة، مسؤولة عن أكثر من ألفين وأربعمائة من الأدلاء، ولا أعدو الواقع إذا قلت إن أكثرهم فقراء، بل في فقر مدقع، لا سيما كبار السن من الجنسين، وهم ينتظرون الفتات السنوي الذي يأتيهم من هذه المؤسسة، وهو ما يفيض بعد النفقات الكثيرة التي تذهب كل سنة، وبعضها ربما وصل إلى حد الإسراف، وإن وراء هذه المؤسسة وزارة الحج، التي يفترض فيها أن تكون الرقيب والحسيب لها، حفاظاً على حقوق المساكين المحتاجين، الذين سيصبح أكثرهم عبئاً على الضمان الاجتماعي، غير أن الوزارة القريبة من المؤسسة، بعيدة عن أمور تسآلها ومحاسبتها والحفاظ على حقوق هذا القطاع من الإسراف الذي يتجاوز حده.!
* وقد اقترحت مؤسسة الأدلاء مشكورة، إقامة شركة باسمهم، تحقق لهم ريعاً يعينهم على تكاليف الحياة، وأقبل المساهمون من الأدلاء من أربع سنوات بدفع ما طلب منهم إلى المصرف الذي تتعامل معه المؤسسة - البنك -، في المدينة، غير أن مشروع الشركة والشراكة لم يظهر بعد إلى ساحة العمل والنمو.. ويبدو أن المؤسسة تمارس أعمالها تلقائياً بارتجال، كان ينبغي ألاّ يحدث، وكان ينبغي على وزارة الحج الراعية والمسؤولة عن هذا الكيان، أن توجه مؤسسة الأدلاء من البداية، حتى لا تقع في أخطاء يعييها تلافيها، غير أن وزارة الحج، وعلى رأسها رجل واع فطين أو قل أكثر من وزير صاحب المشروع، الوزير السابق معالي الدكتور محمود محمد مسفر، والوزير الحالي معالي الأستاذ إياد أمين مدني..!
* لست أدري في غياب التنظيم والدراسات، مما يفضي إلى وقوع الخلل والارتجال، غير أن الغرم لا يقع إلا على المستضعفين وحدهم، وما سواهم فلا لوم عليهم ولا جناح ولا بأس، وأعني مشكلة تكوين الشركة، وذهاب أربع سنوات سدى، وما أرخض الزمن في حياتنا، وفيما نبدي ونعيد.. وكلما سأل أحد من الشركاء المؤسسين، يتلقى الوعود العرقوبية، التي غدت مثلاً، وتتجدد في كل زمان ومكان.. وكان ينبغي لو كان هناك شيء من تنظيم ألا تطلب المؤسسة من منتسبيها إيداع مشاركاتهم في المصرف، إلا بعد أن تكون المؤسسة قد درست المشروع وحصلت على الإذن بإقامة هذا المشروع من جهة أو جهات الاختصاص، لكن مسلك الارتجال يظل مهيمناً، ولا وزارة الحج تسأل وتحاسب، ولا تهتم بهذا القطاع من المستضعفين، وهذا التقصير يحسب على الوزارة، التي يرأسها رجل لا ينقصه الوعي ولا الفطنة، غيرأن سكوت المستضعفين يؤدي إلى هذه الحال التي لا ترضي الوزير ولا الدولة، التي يهمها رعاية مواطنيها وحياتهم وحقوقهم..! والصمت المطبق من الوزارة، هو نقطة التساؤل والغرابة معاً.!
* ولعل تساؤل مساهم أو كاتب إلى مؤسسة الأدلاء: من يتحمل مسؤولية هذه التصرفات العائمة، وأين الحق فيما يقال ويمارس، والتعامل مع أنماط من الناس من جيرة خاتم رسل الله عليه الصلاة والسلام، الذي يعلن: «لا قول إلا بعمل»، يجد رداً جاداً شافياً.!؟
* ولعلِّي أسأل مؤسسة الأدلاء: هل تلك الأموال، التي لا أعرف حجمها، وربما بلغت أربعين مليون ريال، إذا قدر أن أكثر الأدلاء ساهموا في المشروع .! السؤال هل البنك الذي أودعت فيه هذه الأموال، فيه جانب إسلامي يؤدي إلى صرف أرباح لذلك المبلغ، الذي نقدر أرباحه بثلاثمائة وعشرين ألف ريال سنوياً، بمعنى أن ربح رأس المال يتجاوز المليون ريال، يمكن أن يعين المساهمين المحتاجين أو يضاف إلى رأس المال.!؟ في تقديري أنه لا شيء من ذلك تحقق أو حسب حسابه، لأن مؤسسة الأدلاء تشبه الذي يعمل وهو يحلم، وما علمنا أن أحلام شهرزاد كان لها شيء من عائد، فهي أضغاث أحلام وكفى.! ومرة أخرى أسأل وزارة الحج وليس مؤسسة الأدلاء: من المسؤول عن هذا التفريط، وكيف يعالج ويحاسب بعدل المتسبب، فهل من جواب!؟
* وسؤال ثان إلى السادة مؤسسة الأدلاء، وإلى وزارة الحج، لأنها شريكة في تحمل المسؤولية عن كيان مرتبط بها إدارياً وماليا، السؤال: إن على هذه الأموال التي قدرت بأربعين مليوناً، وهو تقدير قد يكون جزافياً من عندي، من يدفع زكاة هذا المبلغ الذي يستثمره البنك الذي أودع فيه؟.. طبعا البنك لا يزكي عليها، رغم أنه المستفيد الوحيد من هذا المال.. ومؤسسة الأدلاء كذلك لن تزكي، إذاً من المسؤول، والمساهمون في مشروع لم يتحقق بعد لو بقيت بأيديهم قروشهم المحدودة بالنسبة لكل مساهم لأكلها، لأنه في حاجة إليها، ولأغنته الحال عن هم الزكاة الشرعية، لكنه يظل غير مسؤول عن حق الله في هذه الشراكة العائمة والمعلقة.!
* وكنت أتوقع، وما أكثر ما تخيب حساباتنا، لقد توقعت قبل كتابة هذه السطور، أن تنهض مؤسسة الأدلاء، بدعوة المساهمين، لتقص عليهم أسباب تعطيل قيام هذا المشروع البسيط اليسير، إذا قيس بمشروعات كثيرة في البلاد، تحقق لها النجح، وأعطت للمساهمين فيها أرباحاً، ولست متشائماً فأقول إن حظ المستضعفين أقل شأنا، وأضعف نتائج، ولكنها أرزاق بيد الرزاق وحده، قبل وبعد أصحاب المشروعات والعاملين فيها وعليها.!
* إن الذي يلفت النظر أن إدارة مؤسسة الأدلاء، تتصرف كما تشاء في حقوق المساهمين وكذلك الجعل اليسير الذي يحصلون عليه سنوياً، وهو لا يوازي شيئا بالقياس إلى تكاليف الحياة وهمومها، لا سيما المرضى والمسنين منهم.! وهل في رأي مؤسسة الأدلاء أن المساهم في مشروعها، يتحمل أخطاء المؤسسة، وهل تكفي إرجاء المواعيد والكلام المعسول لمن يسأل، غير أنها تتحمل وحدها مسؤولية الأمانة الثقيلة، التي أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها، لكن الإنسان رحب بها وتقبلها بقبول حسن، فرحاً بها، لأنه ظلوم جهول، غفل أو تغافل عن تبعاتها في الدنيا، وعقابها في الآخرة، يوم لا يكون في يده درهم ولا دينار، يدفع بها الذلة وسوء الحساب، غير أن الناس نيام، فإذا ماتوا استيقظوا كما قيل، ولكن الاستيقاظ بعد فوات الأوان، ليس له إلا الندامة، نسأل الله السلامة.!
|