أحصيت أربعاً وثلاثين قناة فضائية تبث مواد خليعة على العالم وهي في متناول الجميع، إما عبر الكروت التي تباع في كل مكان أو عبر الأجهزة الجديدة التي لا تحتاج إلى كروت (شغّل وتفرّج) وهذه الأجهزة الأخيرة يبدو أنها ستصبح قياسية.
وقد قرأت أن إسرائيل سوف تبث عما قريب (ربما بدأت الآن) قناة فضائية خليعة ناطقة بالعربية غير مشفرة تبث أربعاً وعشرين ساعة لا تبث مواد خليعة فقط وانما تروج للبضائع المرتبطة بهذا الموضوع.
ندخل في مواجهة غير متكافئة على الإطلاق في عصر قرر أن تتغير فيه كل قواعد اللعبة. بالنسبة للشعوب الغربية لم تكن هذه الهجمة جديدة. قرأت عما يجري اليوم في الثمانينات من القرن الماضي أي قبل حوالي عشرين سنة. كان موضوع القنوات الفضائية الخليعة (العالمية) موضوع نقاش طويل عريض في أكثر من دولة أوروبية. طبعاً كان من المستحيل أن أكتب عن هذا الموضوع في الثمانينات في صحافتنا المحلية حتى لو أردت. وضعت كثير من الدول الأوروبية القوانين والمعايير الضرورية وفقاً للقيم السائدة في بلدانهم وبالتالي وضعوا الحماية المطلوبة لمواطنيهم من أخطار الثقافات المفلوتة الوافدة.
مازلنا مع الأسف لا نميّز بين المحرم وبين الحديث عن المحرم.
كتبت مرة عن الشابات الروسيات اللاتي يجبن بعض الدول المجاورة لبيع المتعة المحرمة لكل من يطلبها. كنت أطمع في أن أفتح موضوعاً مهماً وخطيراً وأطرحه على صفحاتنا لأن مواطنينا هم الهدف الأول لهؤلاء الروسيات. وصلتني رسائل كثيرة تستنكر الكتابة عن الموضوع فسكت، ولكن الروسيات لم يحترمن سكوتي ويتوقفن عن بيع المتعة المحرمة. ازداد عددهن وتوسع حضورهن، فالسكوت عن المصيبة وتجاهلها لا يُلغيها بل يُفاقمها.
نحن الآن نواجه صمتاً مريباً من كل المسؤولين العرب والمسلمين في العالم تجاه ما يجري في الفضائيات. لم نسمع أن دراسة رسمية واحدة أُجريت حول الموضوع. لم نسمع أن مؤتمراً واحداً عُقداً لمناقشة الموضوع. إن ما نشاهده هو أقرب للتواطؤ قبل ثلاث سنوات شاهدت فيديو كليب للفنانة الأمريكية الفاتنة جنيفر لوبيز بث في إحدى قنوات (الهت بيرد) مصنفاً على أنه فيديو كليب جنسي. فجأة بعد سنتين بالضبط ها أنذا أشاهد نفس الفيديو كليب على إحدى قنوات الأغاني العربية الموجهة لكل الأسر العربية. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قامت إحدى الفنانات العربيات بتقليد هذا الفيديو في احدى أغانيها.
لقد بلغنا مع الأسف الدرجة التي ينطبق عليها المثل الشعبي الذي يقول (اضربه بالموت يرضى بالسخونة) أي أننا بدأنا نسمح بالمواد نصف الخليعة أن تدخل منازلنا.
لقد تكيفت مقاييسنا ورفعنا سقف قبول المواد المتناقضة مع قيمنا وأخلاقنا ولكن لا أحد يعرف المدى الذي سنمضي فيه في التنازل، وإذا أردنا الكلام بدقة لابد أن نقول إننا لا نتنازل وإنما فُرض علينا التنازل. لم يأت هذا التنازل لأننا الأضعف ولكن لأننا لا نحسن مع الأسف القدرة على التعامل مع الواقع القائم. نحن نجيد تصميم عوالم مثالية نحتمي بها لتمر العاصفة وعندما نعود إلى وعينا نجد أننا قبلنا الخطر وتكيفنا معه ولم ندرأه، وهكذا ننتقل من تنازل إلى تنازل.
نكمل الحديث عن هذا الموضوع بعد غد.
فاكس 4702164
|