فحديثنا عن داء بسبه تظهر العدوات والخصومات وتتلاشى المحبة والمودات وبه يحصل الفراق والشقاق بين الاخ وأخيه والاب وبنيه وبين الزوج وزوجه «لا حول ولا وقوة الا بالله» فهذا الداء ما دخل على شيء الا دمره.
فاظن أخي القارئ الكريم انه قد تبادر الى ذهنك الثاقب هذا الداء وعرفت أنها النميمة القالة بين الناس وهي نقل الكلام بين الناس بغية الافساد قال الماوردي- رحمه الله- «بها يكون تقاطع المتواصلين وتباعد المتقاربين وتباغض المتحابين».
لولا النميمة لم يقع بين امرئ
وأخيه من بعد الوداد عداء |
وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم منها ففيما رواه الشيخان عن حذيفة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا يدخل الجنة نمام» بل ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من اسباب عذاب القبر ولهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال «مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال انهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال بلى أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من البول» فكفى بخبثها ونتنها انها طريق الى عذاب القبر وانها من موانع دخول الجنة ومما يبين خبثها وخطرها ما جاء عند ابن عبدالبر عن يحيى بن ابي كثير رحمه الله قال «يفسد النمام في ساعة مالا يفسد الساحر في سنة» فصدق رحمه الله فيما قال فهي مفسدة المجتمعات ومفرقة الجماعات وهذا لا يعني أن أمر السحر هين بل السحر أمره عظيم وخطره جسيم وهو من الشركيات ومن السبع الموبقات المهلكات.. وقد جاءت نصوص كثيرة تبين خطره.. وليس هذا مجال ذكرها فعندما ذكر- رحمه الله- انها اشد من السحر يظهر أن ذلك كان من جهة الإفساد أحياناً لامن جهة الاعتقاد والله أعلم.
وأسوق لك أخي القارئ الكريم قصة تبين خطرها وضررها قال حماد بن سلمة رحمه الله باع رجلا عبداً وقال للمشتري ما فيه عيب الا النميمة قال رضيت فاشتراه فمكث الغلام أياما ثم قال لزوجة مولاه ان سيدي لايحبك وهو يريد ان يتسرى عليك فخذي الموس احلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات حتى اسحره عليها فيحبك ثم قال للزوج ان امراتك اتخذت خليلا وتريد ان تقتلك فتناوم لها حتى تعرف ذلك فتناوم لها فجاءت المرأة بالموس فظن أنها تريد قتله فقام إليها فقتلها فجاه أهل المرأة فقتلوا الزوج ووقع القتال بين القبيلتين!!
فمن خلال هذه القصة تبين لك أخي القارئ الكريم أن كلمة واحدة ينقلها نمام قد تفسد مجتمعات وتقوم بسببها حروب طاحنة تسفك فيما الدماء وتهتك الأعراض والأموال وتدمر القصور والدور ويؤكل فيها الأخضر واليابس فخطرها عظيم وشرها مستطير فبعد بيان خطرها وضررها نبين سبل الوقاية والعلاج منها كي نحفظ مجتمعنا من خبثها ونتنها:-
1- أن لا يصدق النمام فيما قال لأنه فاسق والله عز وجل يقول {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا إن جّاءّكٍمً فّاسٌقِ بٌنّبّأُ فّّتّبّيَّنٍوا} الآية.
2- أن تنصحه وتحذره وتبين له خطر النميمة فالدين النصيحة كما قال صلى الله عليه وسلم.
3- ان لا تظن بأخيك المسلم سوءاً قال تعالى {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا اجًتّنٌبٍوا كّثٌيرْا مٌَنّ الظَّنٌَ إنَّ بّعًضّ الظَّنٌَ إثًمِ} الآية.
4- ان لا يحملك ما قيل على الإضرار أو التجسس على أخيك المسلم.
5- أن لا تنقل ما قاله دون تثبت فتكون مثله تماما، وأعلم أن من نمّ إليك نمّ عليك.
وأوصيك أخي المسلم بلسانك خيراً بأن تتقي الله عز وجل فيما تقول وتذر واحذر من شر اللسان وتذكر ان كلمة لا يلقي لها المرء بالاً يخسر دنياه وآخرته قال صلى الله عليه وسلم «إن الرجل يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا تهوي به في النار سبعين خريفا».
ولله در الشاعر حين قال:
تنح عن النميمة واجتنبها
فإن النم يحبط كل أجر
يثير أخو النميمة كل شر
ويكشف للخلائق كل سر
ويقتل نفسه وسواه ظلما
وليس النم من أفعال حر |
|