كان القرن المنصرم قرناً مليئاً بالاحداث المأساوية التي تركت آثارا خطيرة على المجتمع الدولي برمته.. وبالتجديد كانت الحرب العالمية الدموية الاولى 1914-1918 تمثل صراع الدول الكبرى على اقتسام المستعمرات، فقد اندلعت تلك الحرب بعد فشل الوفاق الاوربي الذي بلغ ذروته بمصرع ولي عهد السويد في البلقان.
وامتدت نار تلك الحرب الحارقة إلى دول العالم وقاراته الخمس واختل ميزان القوى الدولية وتناثرت الامبراطورية العثمانية التى عاشت لفترة طويلة تترنح اطلق عليها لقب الرجل المريض.
ورغم انتهاء عاصفة الحرب العالمية الاولى التي اهلكت ملايين البشر وجنوح معظم دول العالم الى السلم.. الا ان العالم واجه في الفترة من 1929-1933 حدثا اقتصاديا خطيرا حيث عم الكساد الاقتصادي دول العالم مما ترك أثره على السياسة والعلاقات الدولية، وتبنت بعض دول اوربا العنف وانسحبت المانيا بزعامة النازي هتلر من عصبة الامم التي فشلت في تحقيق السلم والامن الدوليين فاندلعت الحرب العالمية الثانية التي اطلق شرارتها نازي المانيا هتلر عام 1939 فكانت اكثر فتكا وضراوة وشراسة من الحرب الاولى، فراح ضحية الحربين عشرات الملايين من البشر وفيما بين الحربين قامت ثورات كبيرة، كان اخطرها ثورة اكتوبر 1917 وقيام دولة شيوعية وسرعان ما تشكلت الكتلة الشرقية التي تدين بالاشتراكية تحت زعامة الاتحاد السوفيتي «سابقا» وقضت هذه الخديعة الكبيرة «الشيوعية» على ارواح الملايين من الابرياء المخدوعين بالدعاية إلى جانب الفقر والجوع والمرض الذي لحق بدول عديدة فكان مصيرها انهياراً كاملاً في اوائل التسعينات من القرن العشرين بعد احداث تاريخية مريرة وانهار معها جدار برلين الذي شيده السوفيت.
سقطت هذه الامبراطورية كما يقول سمو الأمير محمد بن عبدالله بن عبدالعزيز مؤلف كتاب «جورباتشوف- سقوط العملاق السوفيتي» وهو على حق..
كما سجل التاريخ السياسي سقوط امبراطوريات سبقتها كالرومانية والعثمانية والنمساوية والمجرية والبريطانية والفرنسية.. ورغم انهيار الامبراطورية الروسية بخيانة زعيمها «جورباتشوف» فانها كانت الند العتيد للامبراطورية الامريكية صاحبة الرأسمالية.. واذا كانت امبراطورية الشر قد تفككت وان امبراطورية الرأسمالية قد اشتد عودها فان التاريخ يسطر ان الامبراطوريات كان همها الاول التوسع الجغرافي والاستعماري واستلاب الشعوب وقهرهم وكبت حرياتهم بل ومشاعرهم واحاسيسهم، ومافعلته بريطانيا في مصر وفرنسا في تونس والجزائر والمغرب وايطاليا في ليبيا الا اكبر دليل.
لكن التاريخ لهذه الامبراطوريات في المرصاد فمن توسع الى انكماش ثم الى نهاية وانحدار.. ككل امبراطورية كما يقول الأمير محمد بن عبدالله «دورة زمنية محددة قد تطول وقد تقصر لكن مآلها إلى الانتهاء والانهيار لا محالة والانهيار الحتمي دون شك» ويستطرد الأمير محمد بن عبدالله وهو يشخص انهيار الامبراطورية الروسية بحصافة ودقة وشمولية ليطرح سؤالا مهماً: هل تدرس الامبراطورية الامريكية هذا الدرس وتستوعبه في عصر انتشرت فيه الدعوات لحقوق الانسان؟!!
يمكن القول ان الشيوعية التي تؤمن بان الدين افيون الشعوب كانت ركائزها الدكتاتورية المفرطة رغم شعاراتها التي رفعتها منذ انبثاقها بثورتها عام 1917م، وكان ستالين صورة طبق الاصل لهتلر النازي فملايين الروس كانوا ضحية حكم ستالين تحت شعار الشيوعية وتوفير العيش الرغيد لكل الطبقات.
وما ان تسلم بريجينيف الراية الشيوعية حتى سلك نموذجا لا يتعدى وصفه انه نهج ستاليني خالص واحكاماً للدكتاتورية وصراعاً مع الرأسمالية خاصة امريكا وامتداداً للنفوذ الشيوعي وهو تمدد جعل الامبراطورية الروسية تعود الى حركة التاريخ فبعد التوسع يأتي الانكماش لكنه كان على استحياء في عهد بريجينيف السلطوي لكن الضعف بدأت بالفعل ملامحه!!
لقد استوقفني وانا اتفحص دفتي الكتاب القيم التحليل الشمولي والمنطقي للاعلام الذي وقف عنده الأمير محمد بن عبدالله وهو احد رجال الإعلام الذين تخصصوا فيه وقدم بحوثا وتحليلات وافكارا قيمة في هذا الميدان الذي اصبح اليوم في ظل القرية العالمية الصغيرة يدير دفة الصراع العالمي.
وقد شخص سموه تأثير الإعلام على الرأي العام في الرأسمالية والشيوعية «فقد كتب ماركس عن العاطفة لدى الجماهير ايا كان مكانها وارتباطها بالحالات الاقتصادية عموما معتبرا احاديثها ونبضاتها تعبيرا عن الرأي العام» وبين الصراع الشديد والمتبادل بين الامريكيين والسوفيت كل باجهزته الاعلامية وبكل ما اتته من قوة وسيطرة واكاذيب في مواجهة الآخر.
وباسلوب بارع تناول مؤلف كتاب «جورباتشوف- سقوط العملاق السوفيتي» اعلام هتلر الذي ركز على الداعية والتأثير على الرأي العام لاضفاء الشرعية على جرائمه واحتكار جوبلز كوزير لاعلامه الدعائي والسيطرة على الرأي العام.. وهو صانع الاعلام الجريء وكانت رسالته اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس.. كل هذا لتبرير ارادة القوة!!وقد حلل الأمير محمد بن عبدالله بن عبدالعزيز تسلل اليهود الى المجتمع الروسي تحت مظلة الإعلام والسيطرة المالية ففي عام 1825م دخلوا الى اعماق المجتمع الروسي وهم المعروفون بالخبث والحقد تمكنوا بتخطيط شرير من تجنيد غانية يهودية ساقطة استدرجت القيصر الى مخدعها انها الغانية «هسيا هلفمان» فخر صريعا عام 1881م.. وماركس نفسه ولد من اب يهودي وبقي اليهود متغلغلين داخل المجتمع الشيوعي فهم كالثعبان الذي يغير جلده طبقا للحوادث والتعايش معها.
واستطرد الأمير محمد بن عبدالله شارحا خبث ومكر اليهود وتأثيرهم على المواقف الروسية منذ ان كون الصهاينة الروس ما سموه «الاتحاد الشيوعي العالمي» عام 1920 للالتفاف حول الشيوعية والاستفادة منها مستعملة كل الوسائل والسبل من فساد وربا ورشوة واستغلال ودعوات التمييز العنصرية.
وكانت مواقف الاتحاد السوفيتي «السابق» تجاه الصراع العربي الإسرائيلي منذ قيام الدولة العبرية 1948 مترددا في شكله العام مقارنة بالموقف الامريكي المتحيز بشكل صارخ ضد العرب ومع إسرائيل على طول الخط وكأن إسرائيل امتداد لامريكا في امنها القومي.
وهذا ما جعل الأمير محمد بن عبدالله يصف موقف الروسي بالتذبذب بين الايجابية والسلبية من صراع العرب وإسرائيل تبعا للظروف الدولية.. وهو توصيف دقيق فالروس حتى في حرب 1973 التي انتصر فيها العرب بقيادة المملكة ومصر وسوريا.. كان موقف الروس غامضا.
لكن الإرادة العربية السعودية والمصرية والسورية سجلت انتصارا كبيرا وحقا فقد حطم المصريون خط بارليف الذي كان الإسرائيليون يعتبرونه قلعة لا تقتحم.
وكما تحطم ذلك العازل الترابي غير المسبوق في التاريخ سيتحطم الجدار العنصري كما تحطم خط بارليف وجدار برلين بارادة عربية.. اذا لم تقبل إسرائيل بالمبادرة العربية لحل الصراع العربي الإسرائيلي التي اطلقها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني واقرها العرب في مؤتمرهم في بيروت عام 2002 لتصبح اول مبادرة يتفق عليها العرب بالاجماع منذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948م.
واذا كان التاريخ يسجل لكل امبراطورية بداية فانه يسجل ايضا لها نهاية.. ونهاية الامبراطورية الروسية كانت على يد بطل السقوط «جورباتشوف» صاحب «البيرو سترويكا» التي اثارت جدلاً واسعاً بين المؤيدين والمعارضين لها، ورغم ان كتاب البيرويسترويكا لجورباتشوف يفصح عن انتهاجه خطى الرأسمالية والاشتراكية رغم التناقض الشديد بين الفلسفتين الا انه اصر على امكان التعايش بينهما.. لكن الواقع اثبت العكس تماماً.
كما ان الواقع اثبت ايضا ان قبول جورباتشوف بحسن نية الغرب بنزع سلاحه وصواريخه العابرة للقارات بعد ان يقوم هو بنزع سلاح بلاده.. انما كان افتراضا في غير محله ولا يتفق مع رؤية رئيس دولة عظمى بالأخذ بحسن النوايا والمجاملات.فهذا التوجه الاحادي من جورباتشوف قضى بشكل نهائي على دولته العظمى وتوارت بعد ان تناثرت إلى دول مستقلة تناطح روسيا مع الغرب بعد ان اضعفتها الرأسمالية الغنية، وهذا تحليل سياسي واقعي للتاريخ ابرزه الأمير محمد بن عبدالله في مؤلفه ليدمج السياسة والتاريخ والاقتصاد كعناصر مهمة في قيام الامبراطوريات وانهيارها.
وهذه احدى نتائج الهرولة نحو فلسفة او اسلوب جديد وادخاله الى مجتمع من دون دراسة وترو وتأن كما فعل جورباتشوف عندما قال في فصل كتابه الاخير بالحرف الواحد «لا ارى طريقاً غير الديمقراطية» هذا جعل الأمير محمد بن عبدالله يقول «استفزني عنوان الباب الاخير مع ان سلسلة من الضربات للديمقراطية يسجلها عهده في الاتحاد السوفيتي».
واليوم الديمقراطية صارت شعارا عالميا تتبناه امريكا بعد ان ابتلعت الرأسمالية الاشتراكية.. انها ديمقراطية الانحياز الكامل والمطلق للدولة العبرية.. واذا كان جورباتشوف وقبله ستالين وهتلر نادوا بالديمقراطية وضربوها في الصميم فان حقوق الانسان والحريات والدول تحتل اليوم باسم الديمقراطية مسكينة الديمقراطية!!
واذا كان جورباتشوف قد سجل سقوط امبراطورية بلاده بحسن نواياه او سوئها!! فلا يمكن القول اكثر من ان هذا السقوط التاريخي الذي شهده العالم عام 1991 وابتهج له الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية كما كيفه الأمير محمد بن عبدالله ببراعه «كان زلزالا عنيفا تفوق درجاته اعلا درجات مقياس ريختر وتتجاوزها تصاعدا.. يلقى الشمشون جورباتشوف القنبلة الذرية المتطورة في بداية تسعينات القرن الماضي على دولة كانت عظيمة في الماضي».
كانت واحدة من الامبراطوريات التي حكم عليها التاريخ في الاندثار كما سجل لها بداية الصعود والصمود.. فذاقت مرارة التمزق والضياع.. كما اذاقت الشعوب ويلات الدمار والانكسار والاستعمار.
وكل هذه احداث جسام عرفها التاريخ.. عرفها صراع الدول الكبرى على اقتسام المستعمرات ومناطق النفوذ في العالم رغم قيام عصبة الامم وانهيارها بسبب الصراعات الدولية.. رغم تأسيس الامم المتحدة المترنحة اليوم بسبب الصراعات الدولية.. فاضحى التغلب على الصراعات وسط عنفوان «القوة» اشبه بسراب في صحراء لا نهاية لها.
ونحن العرب نشهد هذه الاحداث ونعايشها على ارضنا العربية والصراع في مجمله يدور في منطقتنا وما حولها.. انها احداث متصارعة حروب تشن.. وامبراطوريات تتوارى.. وامبراطوريات يشتد عودها ترفع راية «القوة» والتاريخ يسجل والامم تراقب.. والشعوب تنظر ماذا سيحدث والعبر والدروس تمر ولا احد يستوعب او يتعظ والمآسي تتكرر.. والمواقف تتأرجح.. والاحداث تتسارع.. انه التاريخ ماضيا وحاضرا ومستقبلا.. وهذا ما سطره سمو الأمير محمد بن عبدالله بن عبدالعزيز في كتابه الذي يعد وثيقة مهمة عن السقوط لدولة كانت عظمى «جورباتشوف- سقوط العملاق السوفيتي».
يقول سموه «ولأني عربي اعيش احداثا تتفجر من حولي هنا وهناك كان لابد ان يتحرك عقلي مع هذه الاحاسيس الداخلية التي تنتابني صباح مساء لأشفي غليلي ولأحاول فهم هذه الاحداث المتصارعة والمتلاطمة التي تدفع بها الينا وسائل الاعلام بمختلف صنوفها».
|