* تحقيق: فيصل الواصل/ تصوير- بندر الحمودي:
أضحى التنافس المحموم بين شركات الإنتاج الدرامي سمة بارزة سيما في شهر رمضان المبارك إذ لا يجد المشاهد عناءً في البحث عن عمل درامي في إحدى المحطات الفضائية في ظل زخم الأعمال المطروحة، بل كان عناؤه في اختيار إحداها ومراعاة توقيت بث مسلسلاته المفضلة.. لكنك حين تمعن النظر في الموضوعات التي تطرحها هذه الأعمال فلن تجد منها موضوعات مميزة تستحق العرض في ثلاثين حلقة.. ومن هنا تأتي الإطالة في المشاهد والمبالغة في مضامين النصوص المقدمة.
ففي الوقت الذي ننتظر فيه تقديم أعمال اجتماعية هادفة تعالج قضايانا وهمومنا المحلية والخليجية بصدق وموضوعية نرى أن الموضوعات مكررة وإن اختلفت في شكلها فإنها تتفق في محتواها.. وقد لا ينطبق حديثنا هذا على جميع الأعمال الدرامية والتلفزيونية المقدمة إلا أنه لا يخرج عنه إلا النزر اليسير منها.ولذا سنتجنب التلميح أو التصريح بأسماء هذه الأعمال فلدى القارئ المشاهد لها الفطنة والدراية الكافيتان للتعرف عليها.. هذا من ناحية أما من ناحية أخرى فإننا نناقش قضية تسري على السواد الأعظم من الأعمال الدرامية خاصة المحلية والخليجية منها.
تعريف الدراما
يجدر بنا قبل الخوض في الموضوع أن نبدأ بتعريف الدراما وبيان مفهومها، وقد اخترنا ما قاله الأستاذ يوسف بن عبد الله الرميح مدير شئون الطلاب بإدارة التربية والتعليم في محافظة عنيزة: تعد الدراما من أهم الأساليب التعبيرية التي يمكن من خلالها إتمام عملية اتصالية فاعلة ومؤثرة في جمهور المتلقين.. وقد استخدم هذا الأسلوب منذ زمن بعيد في نقل الثقافات بين الأجيال والمحافظة على المكتسبات الحضارية.
وبحجم أهمية هذا الأسلوب وقدرته التأثيرية يكون توقعنا للآثار النفسية والاجتماعية التي يتركها في نفوس وأفكار وسلوك المشاهدين.. ويزيد حجم هذه الآثار كلما قل عمر المتلقين فيزيد كثيراً مع الأطفال والمراهقين لأنهم أقل قدرة على إخضاع ما يطرح للنقد والنظر إليه بموضوعية.. ولأنهم أيضاً يبقون وقتاً أطول في مشاهدة ما يعرض فيتأثرون به كثيراً وينعكس ذلك بوضوح على أفكارهم ومشاعرهم وسلوكهم.
ومن هذا المنطلق يكون الأثر السلبي للأعمال الدرامية بقدر ما تحويه من أفكار وموضوعات خاطئة أو سلبية.
توطئة
وبعد تعريف الدراما نود أن ننوه إلى أننا من خلال هذا التحقيق لا نهدف إلى النقد الفني للأعمال الدرامية المطروحة بل نفتح ملف قضية اجتماعية تستحق الطرح والمناقشة - على الأقل من وجهة نظرنا - وربما يكون رأيكم كذلك حينما تطلعون على النتيجة التي خلصنا بها في هذا التحقيق الموسع الذي أردنا منه أن يكون أشبه ما يكون بندوة مقروءة اجتهدنا في اختيار ضيوفها كلٌ حسب اختصاصه.
تلك القضية تتلمس بعض الآثار السلبية النفسية والاجتماعية والتربوية وبالتحديد على الأطفال والمراهقين ذلك أن الفشل سيحالفنا إن نحن حاولنا التطرق لجميع الآثار والسلبيات إذ سيتشعب الموضوع إلى الدرجة التي نعجز معها عن السيطرة على جوانبه وأبعاده.
لذا فقد سلطنا الضوء على زوايا مظلمة لم تعرف النور يوماً هي في اجتهادنا الأكثر خطورة حتى أن المتلقي قد استساغها ولم تجد منه موضع الرفض أو الإنكار.. تلك أربع سلبيات جعلنا منها محاور للنقاش نتناولها بشيء من التفصيل.. نعرضها ثم نناقشها ونبين مكامن الخطر فيها.
مشاهد العنف
ويبدو أننا لسنا بحاجة لطويل شرحٍ نخلص منه بقناعة تامة حول احتواء أعمالنا الدرامية لمثل هذه المشاهد.. فمشاهد العنف أصبحت تطغى على الأعمال المحلية والخليجية كاللطم على الخدود والضرب والركل التي يتفنن فيها المخرجون وكتاب النصوص لاستثارة وتأجيج مشاعر المشاهدين وشد انتباههم بطريقة ممجوجة.
وتعال أخي القارئ لنعرف ما قاله الأستاذ يوسف الرميح حول هذا الموضوع: إن من عيوب الدراما وبرامجها أنها تنحو إلى عرض المشاهد المشوقة الجاذبة بغض النظر عن قيمتها وفائدتها التربوية، وأن هذه البرامج لا يشارك - غالباً - في إعدادها متخصصون في التربية وعلم النفس ليساهموا في تقدير حجم ونوع الآثار الإيجابية والسلبية.. ويظهر ذلك جلياً في تأثر الأطفال والمراهقين بمشاهد العنف التي تشكل سلوكهم وقبل ذلك تؤثر على أسلوب تفكيرهم وطريقة تعاملهم مع المشكلات وميلهم إلى حوار اللكمات بدلاً من حوار الكلمات.
من جهته شدد المخرج السعودي الأستاذ عامر الحمود على ضرورة فرض رقابة على الأعمال الدرامية سيما وهي تقدم لجميع فئات المجتمع دون تحفظ، بل ويرى الحاجة إلى دراسة وتحليل هذه الأعمال قبل عرضها.
وبيَّن الحمود أن نوعية الأعمال المطروحة تعتمد بشكل مباشر على سلوكيات الكاتب إذ إن هذه السلوكيات تترجم من خلال النص المقدم.. ويُعرِّج ضيفنا على السبب الحقيقي خلف تواتر مشاهد العنف بشكل ملفت في الأعمال الدرامية والمحلية والخليجية فيقول: إننا بطريقة أو بأخرى نعتمد على التكرار وتقديم الأفكار الكربونية المبنية على نجاح عمل ما ومن ثم نقوم بتقليده مع بعض الاختلافات البسيطة بعيداً عن الابتكار والتجديد.
ويضيف: أن عرض مثل هذه المشاهد يوجبه تضمن العمل لشخصية عنيفة أو حالة شاذة يتم معالجة سلوكياتها من خلال النص.. وإجابة على سؤالنا حول جدوى الإيماء والتلميح كبديل لهذه المشاهد قال الأستاذ عامر: بالتأكيد أن ذلك يجدي من خلال لقطة احترافية أو حركة كاميرا بطريقة معينة إلا أن المخرج في بعض الأحيان قد لا يتوقف عند حدود النص رغبة في تصعيد موقف معين في مشهد ما .
ويوافقه في ذات السياق الفنان محمد العيسى موضحاً أن اشتمال الأعمال الدرامية على مشاهد عنف مرجعه للحاجة الدرامية التي قد تدعو إلى تصعيد موقف درامي في ثنايا النص، بالإضافة إلى أن هذا النوع من المشاهد يستخدم كأداة ردع.. مع ما يراه من ضرورة خلو الأعمال الدرامية المحلية أو الخليجية من هذه المشاهد والاكتفاء بالتلميح وإيصال ذلك بطريقة غير مباشرة.
آثار نفسية
ولنستمع لحديث الدكتور مازن الرشيد استشاري ورئيس قسم الأمراض النفسية بمستشفى الملك سعود بعنيزة حيث يقول: إذا افترضنا بأن السلوك لدى الإنسان مرده إلى حالة نفسية معينة فإن الذي يتأثر في حال مشاهدة العنف عند الأطفال والمراهقين هو السلوك وبالتالي فقد يصبح لديهم نوع من العدوانية تجاه الآخر.. ذلك أن الطفل أو المراهق لا يستطيع تمييز الأمور أو إدراك العواقب بشكل صحيح إن كانت تجاه نفسه أو تجاه الآخرين.
فالطفل بالتحديد لا يستطيع أن يحلل المشهد إلا كما هو عيانياً ومن هنا تتطور سلوكياته إلى الناحية الأسوأ وقد يقوم بضرب إخوانه أو والدته كما قد ينعكس ذلك على سلوكه في المدرسة ويصبح مخزون العنف لديه هو المحرك الأساسي في تحليله البسيط.
ولعل انعكاس هذه المشاهد الصاخبة أو العنيفة على نفسية الطفل وكيفية تفاعله معها ملحوظ لدى كثير من الناس.
وتأييداً لما سلف قال الدكتور حسين علي مصطفى أخصائي الأمراض النفسية بمستشفى الملك سعود بعنيزة: من منظور المراحل السنية فإن مرحلة مادون سن الخامسة لا يستطيع فيها الطفل تفسير مشاهد العنف التي يراها كما لا يفهم معناها فهو ينظر من منظور واحد إلى الأشياء العيانية المباشرة ولا يدرك الرمزيات ولا الجوانب الأخرى.. وانعكاس ذلك يكون في نوبات الفزع عند النوم وربما تبول لاإرادي بالإضافة إلى اضطرابات سلوكية أخرى كالعناد والعصيان والعدوانية.
أما مرحلة ما بعد الخامسة فالطفل فيها يتعلم بالمحاولة والخطأ والنموذج السيئ في المشاهد العنيفة يتعلم منه الجوانب السيئة.. ولأن الطفل لا يدرك عواقب العنف فإنه قد يقوم بالتجربة دون معرفة بالمخاطر الناجمة عن ذلك.. وبالتالي فطريقة التعلم بالمحاولة والخطأ قد تحدث أضراراً جسيمة بالطفل وبالآخرين.
وفضلاً عن هذا كله فإن العدوانية لدى الطفل في هذه المرحلة تؤثر على علاقته بأقرانه وقد تؤثر على تحصيله الدراسي.. فكلما زادت العدوانية قلّ الانتباه والتركيز والدافعية على الناحية التحصيلية.. حيث يحاول الحصول على الأشياء بالطريقة التي تعلمها من ذلك المشهد ويعتبرها الطريقة الصحيحة.
أما مرحلة المراهقة فهناك نوع من محاولة لإثبات الذات والبحث عن الاستقلالية في الشخصية والحرية في اتخاذ القرار.. ويتصور المراهق بأن الحصول على الأشياء يكون بتلك الطريقة العنيفة التي شاهدها في العمل الدرامي حتى وإن كان ذلك مع والديه بل وأكثر من ذلك يكون في استخدامه للألفاظ الخادشة للحياء.
وتتضح خطورة ذلك في أن المراهق يعتبر أن هذه الطريقة هي الشكل السائد في المجتمع وبذلك يكون الفرق بين مرحلة المراهقة ومرحلتي الطفولة السابقتين هو إدراك المراهق للرمزية والأبعاد ولكنه يعاني من الصدام مع من حوله في بحثه عن الاستقلالية في الشخصية والحرية في اتخاذ القرار وهو يسعى لتحقيق أهدافه بأي وسيلة حتى وإن كان ذلك بالطريقة العنيفة التي تعرض له في هذه المشاهد.
ويتابع الدكتور حسين قائلاً: ومن المخاطر التي تواجه الآباء ونطلع عليها هو حب بعض الأطفال للعب بعض الأدوار التي يشاهدها في هذه المشاهد مع اخوتهم وفي هذه الأثناء لا يدرك الطفل عواقب هذا العمل.. ويزيد الخطر إذا كان ذلك يتضمن اللهب بالكهرباء أو الآلات الحادة.
ويستشهد الدكتور بقصة الطفل الذي قام بضرب أحد اخوته بآلة حالة وعندما سقط وحضر الأهل لنجدته علل الطفل فعلته بقوله: طلبت منه القيام لكنه لم يفعل.
انعكاسات سلبية
ويعود الدكتور مازن الرشيد ليوضح: إن مشاهدة الأطفال لهذا النوع من العروض تخلق لدى الطفل إحساساً بأن القوة البدنية هي الفاصل بينه وبين أقرانه وأن من يملك أكبر قدر من العنف تجاه الآخرين فهو الأقوى وهو المسيطر وهنا تنمو لدى الأطفال مسلكيات غير مرغوبة بمعنى أن المشاهد السيئة تعكس مشاعر قيمية سلبية كأن يحاول الطفل أن يجعل من نفسه مركز الانتباه أو أن يتصدر الجلسة و يفرض بالقوة رغبة معينة على والديه.
ولأن الطفل - كما ذكرنا - لا يستطيع أن يحلل كلام الكبار أو يستنبط ما وراءه إنما يأخذه على ظاهره فإنه إذا ما شاهد حواراً في مسلسل يدور بين زوجين فسيأخذ الأمور كما هي.. وعندها سيستشهد بما شاهد في ذلك المسلسل حين يحاول المربي في مرحلة ما تهذيب قيمة معينة لدى هذا الطفل.
والحقيقة أننا نتلقى الكثير من الاتصالات والاستفسارات التي يطلب فيها المربي أو المربية الحل لمشكلات إنما هي نتيجة لمثل هذه المشاهد والمسلسلات.. فأحياناً تستصرخ بنا الأم لأن ابنها يحمل السكين على أخيه أو غير ذلك مما يعني أننا نعاني من هذه المشكلة بشكل فردي لا بشكل جماعي.
ولعل ما مضى يدفعنا لنتيجة واحدة هي عدم السماح للأطفال بمشاهدة جميع المشاهد دون رقابة مع تقديم تفسير كامل لكل ما يحدث فيها.. وهذا ما ذهب للقول به الدكتور حسين مضيفاً: على كل المختصين اختيار المحتوى المناسب لعمر الطفل وطموحاته ومعرفة الأهداف التي يريد المجتمع إيصالها للطفل والآباء والأمهات وكيفية الاستفادة من خبرات الحياة.
وفي حال اضطررنا للسماح للأطفال بمشاهدة بعض المشاهد فالمفترض أن تتناسب هذه المشاهد مع عمر الطفل أولاً.. أو يكون ذلك بحضور الوالدين ثانياً.. مع محاولة لتفسير السلوكيات التي يراها الطفل من خلال المشهد ومع هذا فيجب أن لا يرى الطفل كل المشاهد لأننا لا نستطيع تفسير جميع السلوكيات بطريقة مثالية.
طرق الوقاية
وبعد عرض المشكلة وبيان حجمها يجدر بنا إيضاح طرق وأساليب الوقاية منها والتي يبين لنا الدكتور مازن إحداها بقوله: يجب على معدي المسلسلات الأخذ في الحسبان ضرورة ترافق الاستشارات النفسية في جميع مراحل إعداد العمل وإنتاجه قبل عرضه وفي البلدان الأخرى يتم الأخذ بهذا الأمر.
أما الدكتور حسين فيرى أن الوقاية تكون في توجيه اهتمامات الطفل لأمور كثيرة غير التلفاز بمعنى أن نوزِّع طاقة الطفل على أكثر من نشاط حسب ما يناسبه ويتفق مع هواياته.
كما يجب مراعاة مناسبة الأعمال المطروحة على الشاشة للأعمار السنية المختلفة.. فكما نجد أن الألعاب كتب عليها عبارة «تناسب الطفل من سن كذا إلى كذا» فإن المسلسلات يجب التنويه فيها إلى العمر الذي تناسبه.
تضخيم المشكلات
ليست الصحافة - كوسيلة إعلامية - وحدها المتهمة بالمبالغة والتهويل لتجد ما تشد به انتباه القارئ وتستخدم ذلك كوسيلة ترويجية بل إن الدراما والأعمال التلفزيونية هي الأخرى صارت تتناول مشكلاتنا الاجتماعية واضعة إياها تحت المجهر لتحولها من مشكلة تقع على شريحة محدودة إلى ظاهرة ترسم الإطار الذي نرى المجتمع من خلاله.
ربما تلجأ لهذا الأسلوب طلباً في إقناع المشاهد بحقيقة هذه المشكلة وتحذيره من الآثار السلبية المترتبة عليها، أو ربما أن القائمين على الأعمال الفنية يرون أن النماذج السوية لا يمكن لها أن تخلق دراما جديرة بالطرح والترويج.. كما يعبر عن ذلك عامر الحمود حيث يقول: قد يكون التضخيم مطلوباً ولكن المبالغة والتعميم هما المرفوضان ذلك أن النموذج السوي لا يمكن أن يخلق دراما.
ويستدرك: على أن يكون النموذج الذي يعكس هذه المشكلة هو نموذج من بين النماذج الأخرى المطروحة في العمل.
ولكي يكون الأمر أكثر وضوحاً فإننا نتحدث عن تلك الأعمال التي تطرق موضوع المخدرات على سبيل المثال ثم ينتهي هذا العمل والظن يساورنا بأن هذه المشكلة قد تسللت إلى كل المنازل لأن جميع أحداث هذا العمل تدور حول ذات الموضوع وهي في الواقع لا تعدو أن تكون مشكلة تقع على نطاق محدود من مجتمعاتنا الإسلامية المحافظة.
ويقول عن هذا الأستاذ يوسف الرميح: إن من عيوب الأعمال الدرامية الاجتماعية أنها لا تستند إلى دراسات علمية تحدد حجم المشكلة أو الظاهرة التي يتم تناولها فيكون إعداد هذه الأعمال وتنفيذها معتمداً على اجتهادات فردية وانطباعات أولية.. وبذلك يكون هامش الخطأ كبير.. وبالتالي يكون الأثر السلبي لها كبير أيضاً.
ويؤدي ذلك - مع الأسف - إلى إعطاء صورة مشوهة عن المجتمع، وقد ترسخ هذه الصورة في ذهن المتلقي وخاصة الطفل والمراهق فينشأ معتقداً بها ويصعب بعد ذلك تصحيحها .
توقيت البث
تتخبط قنوات البث بعشوائية في توقيت عرض الأعمال الدرامية المحلية والخليجية تبعاً لأمزجة وأذواق المشاهدين دون مراعاة لمناسبة هذه الأعمال للأطفال والمراهقين من عدمه.ولا دليل أكبر من أن تمسك بجهاز التحكم وتقلب هذه القنوات لترَ بعض المسلسلات التي تشتمل على مشاهد عنف أو أحداثا إجرامية أو مطاردات «بوليسية» وهي تعرض بعد الرسوم المتحركة وهذا - بلا شك - يتيح للأطفال والمراهقين مشاهدة هذه المسلسلات.
من جهته نوه الحمود إلى ضرورة قيام قنوات البث بدراسات عميقة من أجل التأكد من مناسبة المادة المطروحة لتوقيت العرض حيث إن السياسة المتبعة لدى معظم القنوات - سيما في شهر رمضان المبارك - اختيار التوقيت الذي لا يتعارض مع بث العمل نفسه في القنوات الأخرى ولدى هذه النقطة بالتحديد تشتد حمى المنافسة.
وأرجع ذلك إلى أن ثمة حلقة مفقودة بين قطاعي الإنتاج والبث.. ويؤكد المخرج عامر الحمود بأن طرق «الجزيرة» لهذا الموضوع يدفعه لاقتراح تبنيها لفكرة إقامة ندوة تجمع المسئولين في هذين القطاعين مبدياً إعجابه بالموضوع من جميع جوانبه.. ويرى الحمود براءة ساحة المخرج و قطاع الإنتاج بصفة عامة من المسئولة في هذا الجانب.
خدش الحياء
ولكي نحافظ على الموضوعية والواقعية في طرحنا لهذا الموضوع فإننا لن نقول بتضمن المسلسلات المحلية والخليجية لمشاهد مخلة للآداب إلا أننا سنتحدث عن مشاهد تخدش حياء الأبوين وهما يشاهدانها بحضرة الأبناء.. كالتقبيل ومشاهد الحب والغرام والغزل الفاضح، وهي وإن كانت قليلة إلا أنها باتت تظهر في السنوات الأخيرة.
من جانيه نفى الدكتور حسين أن يكون تأثير المشاهد الخادشة للحياء على المراهقين أكبر منه على الأطفال ويقول بأن الطفل في مرحلة معينة يزداد فضوله وأحياناً ما تكون أسئلته محرجة للكبار كأن يسأل عن سبب قرع الكؤوس في مشهد معين على سبيل المثال.. هذا فضلاً عن الألفاظ والمشاهد التي لا تجد لدى المربي إجابة مقنعة تتناسب والمستوى الفكري للطفل .
ثم يعود الدكتور حسين مصطفى ليضيف: إن هناك مشاهد درامية تكون مثيرة للجنس لدى المراهقين كالعناق والتقبيل، وهنا يكون أثرها على المراهق أكثر منه على الطفل.
عالم التخيلات
وقد وافقنا الدكتور مازن الرشيد على أن هذا النوع من المشاهد قد يؤثر بطريقة أو بأخرى على علاقة المربي بالمراهق وهو يعلل ذلك بقوله إن المراهق عندما يشاهد مشاهد خادشة للحياء فلن يحدث بها والده أو والدته ولن يستفسر عنها وهنا يبدأ العيش في عالم التخيلات وتصبح هذه المشاهد هي المسيطرة على ذهنية المراهق ويطغى على تفكيره كيفية استحضار مشاهد أخرى من أجل إشباع غريزة معينة في ذاته بدافع الإثارة الجنسية مما يحدث لديه انفجاراً هرمونيا.
ونحن هنا لا نتحدث عن برامج هدفها الإثارة الجنسية ولكن ثمة من الأعمال المحلية والخليجية ما يتضمن مشاهد إغراء تثير المراهق أكثر من غيره.. فابن الثانية عشرة مثلاً لا يفهم معنى القبلة إلا أنها تثير في نفسه تساؤلات كثيرة.. وفيما بعد تثير في نفسه غرائز وهذه تسيطر عليه على حساب تحصيله الدراسي وواجباته تجاه الأسرة بحيث يوجه اهتماماته للأصدقاء ومن يشاركونه ذات الحالة.
أما كيفية انعكاس ذلك على علاقته بالمربي فيتضح جلياً إذا ما كان المربي سلطوياً وحدثه المراهق عما في نفسه فسيعاقبه دون تفسير منطقي وهنا نجد أن المربي لن يجد الطاعة من ذلك المراهق.
ويكمل الحديث الدكتور حسين قائلا: كلما زاد المراهق من مشاهدة هذا النوع من المشاهد غلب على تفكيره الجانب التخيلي أكثر من الواقعي ومن ثم يستنفذ طاقته النفسية وربما ينغمس في العادة السرية كجزء من الخيال وهذه مشكلة تواجه الشباب في سن المراهقة.
وفي سؤالنا للدكتور مازن عما إذا كان التأثير النفسي لهذه المشاهد على الشابات كما الشباب أجاب: نعم، بل يزيد فتأثر الفتيات بهذه الحالة يكون أكبر ولكن تحفزهن أقل ذلك أن الحياء يزيد لدى الفتيات وبالتالي يقل تصريحهن بتلك الحالة.. أما الشاب فلديه فرصة للتصريح بذلك لمن هم في مثل سنه.
ويرى الدكتور مازن استشاري الأمراض النفسية بمستشفى الملك سعود أن انتشار ظاهرة المعاكسات وبحث كل جنس عن الطرف الآخر هو نتيجة انتقال هذه الظاهرة إلى المجتمع من خلال ما يشاهد في المسلسلات من غراميات وغزل فاضح.
ويضيف: بأن ذلك يأتي نتيجة رواج هذه المسلسلات وتقبلها اجتماعياً وكذا تباين الثقافات بين أولياء الأمور بالإضافة إلى ضعف السلطة والرقابة الأبوية في وقتنا الحاضر.. ويعقب الدكتور حسين بقوله: إن بعض كتَّاب النصوص الدرامية باتوا يبالغون في تصوير العلاقات الرومانسية ويظهرون أن الحياة كلها رومانسية وهذا ما يخلق إحباطات لدى المجتمع.
وهذه الإحباطات قد تواجه الطفل حينما يبحث عن الصورة المثالية التي يشاهدها في المسلسلات ثم لا يستطيع الوصول إليها وهذا مما قد يؤثر على سلوكه فقد يحزن أو ينعزل عن مجتمعه أو تتأثر سلوكياته مع والديه في تقبله للعلاج وربما تنتاب الطفل نوبات من الغضب دون مؤثر أو يصبح لديه مبالغة في حالة الغضب أو تراجع في تحصيله الدراسي.
|