في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والدينية الكثيرة التي طرأت حديثا على قيم وتقاليد الزواج في المجتمع العربي، ماذا لو ساورت الشكوك زوجاً في إن زوجته خائنة ونسبت إليه ولداً غير شرعي دون أن يكون معه على ذلك دليل؟! ورغم استخدام التطبيقات العلمية الحديثة في البيولوجيا الحيوية والتي يمكن الاستفادة منها في إثبات النسب فيبقى إجابة السؤال.. كيف يمكن ذلك؟!
إن القفزة الهائلة في العلوم البيولوجية والأبحاث العلمية تؤكد ان القدرة في مجال الهندسة الوراثية أوجدت معطيات علمية جديدة قلبت موازين ونتائج أبحاث الدم بحيث أصبح بالإمكان الآن عبر فحص الحمض النووي لأي إنسان التعرف على البصمة الوراثية الخاصة به والتي تحمل كل صفاته الوراثية وتبقى ملازمة له مدى الحياة دون ان تتشابه مع البصمة الوراثية لأي إنسان آخر في أي مكان أو زمان.
ماهي البصمة الوراثية: يحوي جسم الإنسان 100 تريلون (مليون مليون) خلية تقريباً وداخل كل خلية من هذه الخلايا نواة صغيرة جدا تحوي داخلها على (23) زوجاً من الصبغيات وهذه الصبغيات توجد بشكل أزواج تشبه خيوطاً ناعمة رقيقة تلتف بعضها حول بعض مثل الضفيرة، وكل زوج من الصبغيات يحمل مورثاً من الأب والأم.. أي أن أي إنسان يحصل على زوج من المورثات من والديه ولا تشابه مع أي إنسان آخر حتى أخواته من نفس الأب والأم وهذه الصبغيات تعرف باسم البصمة الوراثية.
ومن خلال هذه البصمة الوراثية التي يمكن معرفتها عن طريق فحص الحمض النووي للمواد السائلة في الجسم (كالدم أو اللعاب أو المني) أو أحد أنسجة الجسم (كاللحم أو الجلد) أو أي مادة أخرى من الجسم (كالشعر أو العظم)، يمكن استخدامها كدليل نفي أو دليل إثبات في كل المجالات التي يتعين فيها تحديد الشخصية وعلى رأسها الجريمة، حيث يمكن الوصول للفاعل الحقيقي في أي جريمة عن طريق الربط بين بصمة الحمض النووي للمتهم وبين بصمة الحمض النووي الموجود في الأثر الآدمي المتروك مكان الجريمة.
وهذا التطور المهم دفع بعض القانونيين إلى المطالبة باعتماد دليل البصمة الوراثية ونتائج أبحاث الدم المتعلقة بها في مجال النسب أيضاً بعد ان أصبح من الممكن عن طريق دراسة توافق الصفات المميزة الموجودة في الحمض النووي للأم وتلك الموجودة في الحمض النووي للطفل الوصول إلى تركيبة لا توجد إلا عند شخص واحد فقط هو الأب الحقيقي (البيولوجي) للطفل، وهو ما يعني إنه إذا وجدت هذه التركيبة عند المدعي بإنكار النسب فهو يعني كما يقترب من اليقين إنه كاذب في دعواه وإنه هو الأب الحقيقي الذي كان منه هذا الطفل والعكس صحيح بمعنى لو ساورت الشكوك زوجاً في إن زوجته خائنة ونسبت إليه ولداً غير شرعي فإنه الآن يكون معه دليل إثبات على ذلك لو صح الأمر، وبذلك لم تعد أبحاث الدم قاصرة على كونها دليل نفي فقط في دواعي النسب وإنما صارت أيضاً دليل إثبات لايرقى إليه الشك.
وفي مؤتمر علمي بعنوان (دور التقدم البيولوجي في إثبات النسب) أوصى المؤتمر بضرورة الاستفادة من البصمة الوراثية في نظر القضايا والدعاوي القانونية الخاصة بإثبات النسب.. وقد طالب المؤتمر بتطوير التشريعات والقوانين المعمول بها في محاكم الأحوال الشخصية بحيث تراعى التطور الذي طرأ على أبحاث وفحوص الدم بحيث تصبح نتائجها معتمدة كدليل إثبات أو نفي للنسب خاصة مع درجة دقتها المتناهية.
( * ) استشاري الميكروبيولوجي والمناعة والفيروسات
مدير المختبرات |