يعرف الصراع (النزاع) بأنه حالة من التعارض تحدث بين طرفين أو أكثر داخل التنظيم الذي يعملون به نتيجة للتفاعل المستمر بينهم أثناء مزاولتهم لأعمالهم يؤدي إلى نشوء حالة من التوتر في العلاقات بين أطراف النزاع. ويعتبر الصراع أحد مظاهر البيئة التنظيمية الحتمية التي لا يمكن تفاديها. وتختلف درجة حدته وتأثيره على المنظمة والفرد حسب الموضوع وأطراف النزاع. ولا شك أن للصراع أسبابا كثيرة يصعب حصرها ولكن يمكن أن نصنفها إلى أسباب شخصية تتعلق بالأشخاص من حيث أنماط شخصياتهم ودوافعهم وطموحاتهم واتجاهاتهم وغيرها. وأسباب تنظيمية: تتعلق بالمنظمة والأنظمة واللوائح والإجراءات وغيرها.
إن للصراع في البيئة التنظيمية مظهرين أحدهما إيجابي والآخر سلبي. فأما الإيجابي فعندما تتغلب المصلحة العامة على المصلحة الذاتية عن طريق تطوير التنظيم وتغيير العلاقات السائدة فيه. وأما السلبي فيحدث عندما تتغلب المصلحة الذاتية على المصلحة العامة مما يؤثر سلبا على قوة تماسك الجماعة وتفاعلها وتحقيق أهدافها.
وهناك أنواع عدة للصراع نذكر منها:
1- الصراع الذاتي: وهو ما يسمى أحياناً بصراع الدور وهو عندما تتعارض آراء الشخص مع ما هو مطلوب فعله منه.
2- الصراع بين الأفراد: وهو الصراع الذي يحدث بين شخصين أو أكثر.
3- الصراع داخل جماعات العمل: ويحدث عندما تنقسم جماعة العمل على نفسها.
4- الصراع بين جماعات العمل: ويحدث بين مجموعتين مختلفتين أو أكثر.
5- الصراع بين المنظمات: ويحدث نتيجة للمنافسة بين المنظمات التي تقدم خدمات أو سلعاً متشابهة.
ولا شك أن للصراع آثارا إيجابية وأخرى سلبية على المنظمة والفرد على حد سواد بل تتعداهما إلى شريحة أخرى وهي شريحة العملاء أو المستفيدين. ويمكن أن نشير أولاً إلى الآثار الإيجابية ومنها على سبيل المثال: تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية، وإيجاد حلول دائمة للمشكلات، وإظهار المشكلات المستترة، واكتشاف قدرات وإبداعات الموظفين، وتطوير الأساليب والإجراءات. أما الآثار السلبية فمنها: إعاقة تحقيق الأهداف والغايات، وظهور الضغوط النفسية على الأفراد، وطغيان المصالح الذاتية، وسوء العلاقات بين الأفراد.
إن الصراع في الغالب ينشأ بين الأطراف بطريقة تلقائية وأحياناً أخرى يحدث الصراع بين الأطراف بطريقة متعمدة كأن يلجأ إليه الرئيس أو المشرف لخلق حالة من التوتر بين الأفراد على طريقة «فرق تسد» خدمة لأهدافه وغاياته. والجدير بالذكر أن الصراع يحدث بين جميع الموظفين رؤساء ومرؤوسين ذكوراً وإناثاً وفي مختلف الأعمار والمراتب الوظيفية والعلمية. وبأخذ الصراع بين الأطراف أشكالا مختلفة من التوتروالقلق والخوف والاعتراض وعدم الاستجابة ورفع الصوت واستخدام الألفاظ النابية وغيرها. وقد يصل أحياناً إلى الاشتباك بالأيدي والرفس بالأرجل والأقدام. وقد يتجاوز أحياناً أخرى ذلك. وهناك عدد من هذه الحالات موثقة وقعت داخل البيئات التنظيمية بفعل الصراعات المختلفة بين الموظفين.
ولا نزال نتذكر حالات الصراعات التي عرضت على شاشات التلفزيون في جلسات بعض البرلمانات في بعض البلدان العربية والإسلامية والأجنبية حيث وصلت إلى الاشتباك بالأيدي بل إن بعضها وصل إلى أن يقضم بعض البرلمانيين أذن زميله حيث نقل على أثرها إلى المستشفى بالرغم من أن أعضاء المجالس البرلمانية يفترض أن يمثلوا الصفوة. لذلك ينبغي إدارة الصراع بين الأفراد بأسلوب يحقق أهداف المنظمة والفرد على حد سواء بشيء من العدالة والإنصاف والموضوعية. وهناك عدد من الأساليب التي يمكن أن تستخدم لإدارة الصراع ومنها ما يلي:
1- تجنب الصراع: وهو اعتماد أسلوب عدم المواجهة مع الطرف الآخر عن طريق التأجيل أو الإهمال. ويعمل هذا الأسلوب إلى كسب مزيد من الوقت وجمع معلومات أكثر واتخاذ القرار الصحيح. كما يتيح الفرصة إلى التركيز على موضوعات أكثر أهمية. لكن يجب عدم التمادي فيه لأنه يساعد على تراكم المشكلات وتفاقمها.
2- استخدام القوة: يستخدم هذا الأسلوب لإجبار الفرد على قبول وجهة نظر معينة أو قيامه بعمل لا يريد القيام به عن طريق استخدام السلطة. ويكون هذا الأسلوب مجديا عندما تكون في أزمة أو ليس لديك الوقت الكافي للتفكير أو مع الأفراد الذين تجد صعوبة في انقيادهم.
3- التكيف أو التساهل أو التنازل: يعتمد هذا الأسلوب على قبول فكرة الطرف الآخر دون النظر إلى ماعندك من أفكار أو آراء وبمعنى آخر هو تلبية مطالب الآخرين على حساب مطالبك. ويكون هذا الأسلوب ناجحاً إذا كانت المشكلة موضوع النزاع تهم الآخرين بدرجة كبيرة بينما لا تهمك بنفس الدرجة. ويجب الحذر من الإفراط في استخدام هذا الأسلوب حتى لا تظهر أمام الآخرين بأنك شخص ضعيف.
4- التوفيق أو المساومة: ويعتمد هذا الأسلوب على أسلوب التفاوض وهو أن يضحي الفرد ببعض مطالبه مقابل تضحية الطرف الآخر ببعض مطالبه أيضاً. ويجب على كل طرف من الأطراف أن يكون ملما بمعنى التوفيق وهو معرفة الأشياء التي يمكن أن يتخلى عنها والأشياء التي لا يمكن أن يتخلى عنها. وغالباً ما تصل الأطراف في هذا الأسلوب إلى حلول وسطية تخلق شيئاً من التفاهم وتجنبها الوصول إلى طرق مسدودة.
5- التعاون: يعتمد هذا الأسلوب على العمل على نقاط الوفاق وتجنب نقاط الخلاف. أي العمل على خدمة المصالح المشتركة بين الأطراف. ومع أن هذا الأسلوب مفيد لجميع الأطراف إلا أن احتمالية نشوء المشكلات واردة. والسبب في ذلك يرجع إلى أن نقاط الاختلاف لم يتم حلها والتفاهم عليها.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: كيف نختار الأسلوب المناسب لحل صراع معين؟ والجواب يكمن في تحليل الصراع للتعرف على أسبابه وآثاره وتحديد أطراف الصراع للتعرف على أهدافهم وغاياتهم. وبالتالي فإن حل الصراع يعتمد على المواقف وعلى الأطراف بالدرجة الأولى.
ويعتبر الصراع في بيئة العمل واحداً من أهم مصادر ضغوط العمل الفردي والتنظيمي التي تؤثر على تحقيق أهداف المنظمة وعلى سلوكيات الموظف وإنتاجيته على حد سواء. لذا فإن الصراع يمكن أن يكون مفيداً للمنظمة والفرد إذا ما وجه توجيها سليما لخدمة أهداف المنظمة والفرد. كما يمكن أن يكون معول هدم إذا أسيء استخدامه ولم يوجه الوجهة السليمة. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
المراجع:
1- جيمس مارش وآخرون، المنظمات، ترجمة د.عبدالرحمن بن أحمد هيجان، معهد الإدارة العامة، الرياض، 1422هـ.
2- عبدالرحمن بن أحمد هيجان، ضغوط العمل، معهد الإدارة العامة، الرياض، 1419هـ.
3- كامل محمد المغربي، السلوك التنظيمي، دار الفكر، عمان، 1995م.
4- ميخائيل وآخرون، نظرية الاتصال والبحوث التطبيقية، ترجمة د. عبدالله بن أهنية وأ. سعد القحطاني، معهد الإدارة العامة، الرياض، 1420هـ.
5- ناصر بن محمد العديلي، إدارة السلوك التنظيمي، مرامر، الرياض، 1414هـ.
|