* الرياض - فهد الغريري:
في أيام الشتاء الباردة، وفي لهيب القيظ، يأتون من اماكن بعيدة مهمومين بالبحث عن لقمة العيش بين اكداس البشر وأرتال السيارات، هاهو واحد منهم يقبع بكل ما تحمله عيناه من براءة وانكسار وقد اصطفت امامه صناديق امتلأت بالخضار والفاكهة في انتظار من يستبدلها بدراهم معدودة، بينما انتصبت بجانبه لوحة كبيرة تهدده بقطع رزقه، فبحثه عن الرغيف بهذا الشكل ينافي «حضارية» المدينة، يشوه جمالها الخلاب، وما كان منهم الا ان قاموا بازالة كلمة «عدم» حتى لا تنتقل لهم عدواها فيصابون بالعدم.
«ماذا نفعل؟! كان لابد من هذا التصرف حتى نتلافى هروب الزبائن منا «هكذا تكلم سليمان بوجهه الذي لفحته شمس الرياض فحمل سمرة هذا الوطن على جبينه، انه يعرف القراءة والكتابة وقد واصل دراسته الى المرحلة المتوسطة وعندها ابت الدنيا الا ان تقبع على اكتافه فأثقلتها بحملها المتمثل في عشرة افواه صغيرة جائعة، ويكمل:« اعرف ان تصرفي خاطئ ولكني لا اريد لاخوتي العشرة ان يتركوا الدراسة مثلي.. والدي شيخ كبير وامي عجوز أيضا وقد تعبا كثيرا وحان وقت راحتهما».
بجانبه وقف اخر يبدو انه اكبر منه سناً وقد اطلت من عينيه نظرات حذرة وهو يشير لسليمان بإشارة خفية ويقاطعه:« لم نمسحها، ولا نعلم من مسحها، نحن لا نتجرأ على شعار الدولة» وتجمهر صغار آخرون من بيوت مختلفة، اشتركوا في الهم نفسه، كما اشتركوا في قيمة السيارات التي تقلهم وتحمل بضاعتهم وتتعرض للحجز عندما يأتي «الرقيب» الذي يطالبهم بدفع غرامة تصاعدية عن كل مرة، يقول سليمان:« اول مرة بألف ريال، ثم تزداد الغرامة كل مرة «شارحا كيف ان ميزانيتهم لازالت تئن تحت وطأة الخمسة آلاف ريال التي دفعوها لاخراج السيارة من الحجز قبل اسبوع مضى.
وعاد سليمان ملقيا بهمومهم على ضمائرنا «الايجار في السوق مرتفع والمردود شحيح، المحلات داخل الاحياء لا نحلم بدفع قيمتها، لم اجد وظيفة، وهناك من ينتظرني لآتيه بالطعام والملابس، هذه ارض فضاء وغيرها كثير.. لماذا لا يتركوننا نسترزق، وان كانوا يرون في وقوفنا فوضى وتشويهاً فنحن مستعدون لبناء مباسط صغيرة في هذه الارض وندفع ايجاراً معقولا، او فليبنوها لنا وسندفع ايضا.. «حنا نعين ونعاون بس شوفوا لنا حل الله يرحم والديكم!».
|