نستطلع أحيانا على سير العمل والانتاج في بعض دور الأعمال فماذا نرى؟ غالباً ما نجد ما لا يسرنا! بطء وتوان.. تعقيدات وعجز.. تملص وتأخير، فنتساءل: ماذا عسانا فاعلين حيال مثل هذه الأوضاع غير المشجعة؟ بعض الدور تنفق ملايين الريالات السعودية كل عام لإعادة تشكيل وتأهيل الموظفين من ندوات ودورات تدريبية وحوافز مالية وبعثات خارجية. لكنها جهود تذهب في جلها أدراج الرياح.. لماذا؟ لأن العلة لا تكمن في الموظفين أنفسهم، ولكن في ظروف العمل وطقوسه.
معظم المنشآت الاقتصادية السعودية تستطيع «إذا رغبت» توفير ظروف كفاءة الأداء والتفعيل وتسخيرها لانتاجية أكثر ومهارة وولاء للمنشأة. وتستطيع أيضا أن تضعهم في نفس السياق الذي يجعل من الموظف المتميز الى متسيب غير منتج، ونعتقد أنه من الأفكار التي أسيء استخدامها مؤخراً فكرة تقنين كل شيء حتى العلاقات الانسانية بين البشر داخل الدور. فهناك مديرون يعتقدون أنهم توصلوا لطريقة فعالة لتقنين العلاقات تتمحور في التسلط والهيمنة مع الموظفين الجادين منهم وغير الجادين، ولكن سرعان ما يخيب ظنهم. إذ يكتشفون أن تلك الطريقة التي كانوا يجربونها على الموظفين، زادت في عمق فجوة العلاقات المتردية بين الرئيس والمرؤوس، وهي عكس ما كانوا يصبون اليه. ووضح أن السر وراء ذلك كان في طريقة التعامل، ليس لأنها فقدت فعاليتها فبدت مصطنعة مؤقتة لا عفوية، ولكنها اعتمدت وتركزت على تقنية شخصية ترى أنه كلما زاد المدير إحكام قبضته على العمل والانتاج كلما زادت فعالية وأداء المرؤوسين. غير أن فكرة تقنين كل شيء لا تلبث أن تخذل الكثير منهم وخاصة عندما يعتادها الآخرون ويتوقعونها منهم. وعلى نفس المنوال يفقد كثير من مديري المنشآت الاقتصادية مكانتهم ومركزهم، لا لشيء، إلا لأن الادارة السلطوية تخلق السخط والاستياء لا الرضا والاعجاب لما تم انجازه. فمفارقات العلاقات الانسانية تتراوح بين نشوة النجاح المبهجة التي تنشرح لها نفس الموظف فيستضيء العقل لها وينطلق منها الى عطاء أكبر وتضحية تنغمس النفس في روح فريق العمل وتترعرع ملكاتها بجرعات التأثر بالآخرين والتأثير عليهم. وحين يعمل كل فرد بتفان يصبح التقويم تلقائياً داخلياً للذات ملقناً لها الصواب والخطأ. فلا يحتاج المرؤوس بعدئذ من يراقبه أو يوجهه أو يعدل مسار نهجه الأدائي. وتتراوح أيضا العلاقات الانسانية بين فشل تجربة مريرة تبتئس لها النفس ويظلم معها العقل فلا يستطيع خلالها الموظف أن يستعيد توازنه المفقود في عمل لا ابداع فيه، ولا يسمع داخل منشأته إلا كلمات الشكوى والضجر المتبادل، ولا يشاهد إلا أفعال الكسل والاستهتار.
|