فيض الضمير
لماذا يكذب أولادنا؟!
د. محمد أبو بكر حميد

الذين يخافون هم الذين يكذبون..
هناك علاقة بين الكذب والخوف. ولكن لماذا نخاف؟
والحقيقة أن أكثر الذين يخافون هم الذين يخطئون.
وهل هناك إنسان لا يخطىء؟ بل العكس صحيح فإن الذين يعملون هم الذين يخطئون.
إذن لماذا نخاف؟
يخاف الطفل من أبيه عندما يخطىء فيكذب، وتخاف الزوجة من زوجها فتكذب ويخاف الموظف من رئيسه فيكذب. وبهذا يصبح الكذب ظاهرة سائدة في المجتمع يستسهله الجميع للتخلص من مآزق الخوف والهروب من المواجهة.
وسبب هذا كله سبب تربوي أخلاقي فنحن ليس لدينا استعداد للاستماع للحقيقة ومناقشتها وإفهام الذين هم أقل منا شأناً أو سناً - بكل احترام.
إنهم أخطأوا وإن خطأهم يمكن إصلاحه، وأن يكون لدينا الصبر الكافي لنشرح لهم سبب هذا الخطأ الذي وقعوا فيه.
والحقيقة التي لابد من التنبه لها أن البداية تبدأ من البيت. لو لم تصرخ الأم في وجه طفلها الذي أخطأ فكسر عن غير قصد أكواب الشاي في المطبخ أو أفسد أثاث البيت أو ألقى بأشياء ثمينة ومهمة دون أن يدري.
لو تعامل الآباء والأمهات مع الأبناء بأناة وصبر وأفهموهم بروح رياضية وبعيداً عن أجواء الغضب والتوتر والإرهاب أن هذا خطأ ولكي لا يتكرر عليهم فعل كذا وكذا، لفهم هؤلاء الأطفال وما تكرر الخطأ ولو تكرر دون قصد فإنهم سيقولون الحقيقة، ولن يكذبوا لأنهم يعرفون أن هناك من سيشرح لهم بهدوء وحب سبب هذا الخطأ ويتقبله برحابة صدر.
لو تعامل كل أب وأم مع أطفالهم ومع أنفسهم بصدق، لا يقولون إلا الحق، ولا يشهدون إلا بما يعلمون، وساد في البيت جو الاحترام للكبير والصغير لما كذب الصغار، ولخرجوا من بيوتهم إلى مدارسهم لا يقولون إلا الصدق وينفرون من غيره.
ولو تعامل المدرس في المدرسة مع التلميذ على هذا النهج فلا يعنفه ولا يوبخه ولا يهينه أو يسخر منه عندما يخطىء لما خاف طلابنا من معلميهم ولنشأوا على الصدق لا يرضون له بديلاً.
ولو استمرت هذه التربية إلى الجامعة وتخرج الطالب صادقاً لا يكذب قط مهما كان السبب ينتقل معه الصدق إلى وظيفته موظفاً أو مديراً لا يخاف ولا يخيف، يؤلف القلوب من حوله بالمودة والمحبة والتسامح لأصبحنا أصدق شعوب الأرض وأكثرها إنتاجاً.
أسوأ أنواع الإرهاب أن تخاف قول الحقيقة والاعتراف بالخطأ أمام من له سلطة عليك لكي تتجنب غضبه أو عقابه أو ظلمه سواء كان صاحب السلطة هذا أباً أو أماً أو زوجاً أو رئيساً في العمل أو مسؤولاً.
فإذا كذب علينا أحد فعلينا أن نتأكد أن العيب فينا وليس في الذي كذب، ويكون السبب أننا «أرهبناه» ولم نعطه الأمان وسعة الصدر ليقول الحق ولا يكذب.
ورغم أننا أمة الصدق ونبينا صلى الله عليه وسلم أصدق مخلوق سار على قدمين، فقريش التي أنكرت رسالته ونبوته اتهمته بالجنون واتهمته بالسحر ولكنها لم تصفه بالكذب أبداً لأنه اشتهر منذ طفولته بالصدق فلم يكذب قط. وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، ووصف المسلم الذي يكرر الكذب بأنه سيكتب عند الله كذاباً.
والكذب في ديننا أخطر من الزنا، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم «أيزني المؤمن؟ قال: نعم. أيكذب المؤمن؟ قال:لا» ذلك لأن الزاني يفارقه إيمانه لحظة الزنا فقط إذ «لا يزني الزاني وهو مؤمن» كما جاء في الحديث أما الكذاب فتلصق به صفة من صفات النفاق وقد يكون الزنا لحظة ضعف في حياة الإنسان لا تتكرر ويتجاوزها بالتوبة لأنه يعرف أنها من الكبائر أما الكذب فسيتمرئه الناس لسهولته والتهوين من شأنه فيتحول إلى عادة سلوكية يومية.
وهذا أهم ملامح تخلفنا عن أعظم قيم ديننا الحنيف، في حين نجد الأمم الأخرى التي ليس في دياناتها هذه القيم العظيمة تتمسك بالصدق أكثر منا، وتحاكم على الكذب ويكفي أن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون بعد فضيحته مع مونيكا لوينسكي دعي للتحقيق القضائي ليس بسبب جريمة «الزنا» كما ظن الكثير منا، وإنما بتهمة «الكذب»!!
الكذب جريمة يحاكم عليها القانون.. هذا ما يقول به ديننا ويعمل به غيرنا!!
فلنعلم أولادنا الصدق ولنربهم على قول الحق، والشجاعة الأدبية، ولنبعد شبح الخوف من بيوتنا ومدارسنا ومكاتبنا ومن قلوبنا حتى نعود صادقين كما أراد لنا ديننا وأراد لنا نبينا صلى الله عليه وسلم لأننا بالصدق كنا خير أمة أخرجت للناس.