عناصر العملية التعليمية منظومة متكاملة مترابطة، يؤثر بعضها في البعض، ويقوم الجزء منها على الآخر، فلا استراتيجية خاصة بارزة فيها، اذا استثنينا مكانة المتعلم المستهدف فيها.
لكن ضعف ركن فيها يؤثر بلا شك في بقية المنظومة ويخفض من حجم المخرجات المنشودة، ويجعل الجهد شاقاً، والمسار مبهماً.
والادارة التربوية بمختلف مكوناتها ومستوياتها تمثل ركناً مهما ومؤثراً في مسار العمل التربوي والتعليمي، ورغم أهمية هذا العنصر فإن الادارة الوسطى منه المتمثل بالادارة التربوية والتعليمية لم يحظ هذا الجزء بالدراسة والنقد الكافي ومحاولة التطوير العملي بمعنى التطوير، بل يكتفي الامر بزخ القرارات والتعليمات والتنظيمات التي تمثل عبئاً احياناً في ارشيف الادارة التربوية ولا تلامس ميدان التطبيق والممارسة، وان تم ذلك فلا يتجاوز محيط الادارة التنفيذية التي تنحصر في الادارة المدرسية.ولعل السبب في ذلك يكمن في مكانة المدير في الادارة التعليمية وما يمتلكه من صلاحيات وما يعتقد وهما من انه يحظى بحماية تحول دون نقد اخطائه وتوجيه النصح له وتوجيه الاقتراح.
انه وبحق يسجل لوزارة التربية والتعليم في بلادنا سمة خاصة في محاولة التطوير والتجديد تفرض على كل باحث ومتخصص تربوي ان يمارس دوره بكل شفافية، ويطرح رؤاه دون تحفظ، فمعالي الوزير الذي يمتلك الخبرة والاريحية والتفاني في رفع مستوى العمل التربوي والتعليمي يؤمن بمشاركة الكل في تحقيق الصورة النموذجية للعمل التربوي، وأكبر دليل على ذلك تلك الانطلاقة المباركة في التوجه للميدان المفتوح وحثه على المشاركة في البناء من خلال اللقاء النموذجي المعنون بتساؤل «ماذا يريد التربويون من المجتمع، وماذا يريد المجتمع من التربويين»، الذي خرج بجملة من التوصيات التي بدئ بتوظيف كثير منها.
بدءاً من هذا المقال سأتناول وعبر عدد من المقالات تسليط الضوء على الادارة التربوية الوسطى المعنية بالاشراف والتخطيط والتنفيذ معاً التي تربط مابين صانع القرار التربوي وعملية التنفيذ، فهي في التصور اشد النماذج حاجة للاستقراء والملاحظة والدعم والتوجيه، وسأضرب اثناء العرض جملة من الامثلة لبعض الممارسات الخاطئة التي تسقط العمل الاداري في مجال التربية والتعليم.
ان هناك جملة من التساولات التي تمثل مدخلاً لتغطية الموضوع، مثل ماهي ابرز نماذج الادارة التربوية والتعليمية القائمة في الميدان؟
وهل الادارة التربوية تعني تسيير العمل في الميدان؟ وما اسباب اكثر الاخطاء شيوعاً التي تمارسها بعض الادارات التعليمية؟ وماهي ابرز المهام الغائبة عن تحقيق الادارة النموذجية؟ ولم يحجم البعض من الكفاءات عن تولي مهمة العمل في الادارة التربوية وينشدها البعض لحد المصادمة؟ وما هي الاساليب المثلى لمعالجة بعض اخطاء الادارة التربوية والتعليمية؟ وكيف تدار اللقاءات والاجتماعات التربوية؟ وأين اسلوب تدوير الادارة التربوية وهل يمكن ان يحقق علاجاً للاخطاء الممارسة ميدانياً؟ في هذا المقال سأقتصر كمدخل على تحديد مفهوم الادارة التربوية والتعليمية، وسأناقش بقية المحاور في مقالات لاحقة بإذن الله.
في البدء نجزم بأنه نظريا قد تطور مفهوم الادارة التربوية تبعاً لطبيعة النظام التربوي المنشود، وعلى ضوء ذلك تغيرت العبارات وتحددت الدلالات التي ترسم طبيعة الادارة التربوية المعاصرة، لكن على ارض الواقع نجد ان اولى الاشكاليات التي تعاني منها بعض الادارات التربوية والتعليمية غياب ذلك المفهوم الجديد عن اطار الممارسة العملية، حيث لم يستيقظ البعض بعد على انماط وسمات الادارة التربوية المنشودة.
ولكي نحدد مفهوم الادارة التربوية ونفصلها عن مفهوم الادارة المدرسية لابد ان نضع المهام الاساسية للادارة التربوية ونحدد موقعها في خريطة العمل التربوي، فهي تقوم على جهد الاشراف والمتابعة بل التخطيط احياناً، كما تهتم ببناء العلاقات وتذلل فرص الاستثمار للطاقات داخل المنظومة من اجل تحقيق النمو المتكامل للمتعلم، وتوفير مستلزمات العمل الاداري والفني كافة وتحقيق البنية المساندة والمناسبة بمختلف مجالاتها التي توفر ذلك، كل ذلك بصورة متكاملة لايبرز فيها عنصر على حساب عنصر آخر.فالادارة التربوية والتعليمية النموذجية «هي ذلك العمل الجماعي المنظم الذي يسعى وعبر فريق كامل ومؤهل الى تحقيق البيئة التربوية والتعليمية النموذجية، وفق اهداف محددة وعبر مواقع متعددة داخل تلك المؤسسة ومن خلال فهم متكامل، والقدرة على توظيف كل الامكانات والخبرات المتوافرة في البيئة المحيطة بالمنطقة التلعيمية واستثمارها بأقصى الدرجات من خلال بناء علاقات متواصلة».
|