في مجال تحديد الرؤية لعالم الفرد الموقف من العمل فإن المجتمعات العربية عموماً ستواجه خيارين أحدهما خيار التراخي بمعنى التمسك بالتقسيم الترابي والهرمي المتحجر للعمل وللمهارات وفي ظل علاقات ثقة متدنية، باعتبار ذلك كله من خصائص نموذج المجتمع الصناعي التقليدي القائم والذي لا يتطلب إلا تكييفات جزئية إلى الأوضاع الجديدة بدأ يفرضها عالم اليوم.
والخيار الثاني هو الخيار الاستباقي بمعنى تهيئة المجتمع المعين لينتقل إلى الحقبة الجديدة وباتجاه أشكال مرنة للإنتاج والتنظيم المؤسسي مبنية على أنماط أقل حدة. وبالاعتماد على تكوين وإعداد قوة عمل ذات مهارات عالية وقابلة للتكييف والملاءمة مع التخلي عن تقسيم العمل القائم حالياً والذي يفصل بين التعلم والعمل اليدوي والعقلي.
رصدت ذلك دراسة قدمت للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم حول التنمية في العالم العربي. وذكرت الدراسة ان العالم الجديد الذي يشكل حقبة مغايرة في تاريخ تطور الانتاج والمجتمعات عبر العصور سيحتاج إلى تحكم معرفي ينزع بطبعه إلى التعقد المتزايد وله إيجابياته وسلبياته ولذلك فإن الدور المستقبلي للتعليم في الوطن العربي لا يمكن أن يستمر في نقل كيان أو منظور ثابت في المعرفة حيث يجب أن يتوسع ليتخذ دوراً ريادياً في تحديد أنواع المعرفة الأكثر استحقاقاً واستخداماً والتي تستجيب لسمات مجتمع المعلومات وطبيعة الاقتصاد السياسي لهذا المجتمع الجديد والحفاظ على معاني المواطنة والهوية التي تتأثر بذلك.
إن المعرفة تتزايد وتتضاعف بشكل سريع ولقياس مثل هذه الاكتشافات والتطويرات التي شهدتها فترة التسعينات تساوي في حجمها المعرفة التي تم تراكمها خلال قرون عديدة. وما يشد الانتباه أكثر من غيره هو النسق العمودي المتصاعد والانتشار الأفقي المذهل للتطبيقات والتي بدأت تشمل كل جانب من جوانب الوجود.
ولذلك فقد بدأت التوجهات الجديدة تنادي بضرورة إعادة تعريف أدوار وعلاقات التعليم والتعلم في المستقبل المنظور من أجل تكوين المجتمع التعليمي. وكما هو معروف فإنه يتم النظر إلى أثر التعليم من خلال الفرد أو من خلال منتج النظام التعليمي وبالرغم من أن هذا التصور سيبقى هاماً وأساسياً إلا أن الأمر بدأ مع التدفق الكبير للمعرفة بدأ يأخذ خصائص أخرى في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور يجب وضعها بالاعتبار عند النظر إلى النسق التعليمي العربي وتحديد غاياته المستقبلية.. فهناك أثر التعليم الذي فرضته ظروف عالم اليوم بحيث يصل إلى الشعوب من خلال قنوات وشبكات متعددة وبصورة متسارعة مما يجعلنا نتوقع بأن مخرجات هذا النوع من التعليم سيكون من الثقل والوزن بحيث يؤثر على المجتمعات بدرجة حادة.
وهذا المدى من التعليم هو أحد المظاهر ذات الدلالة لما يسمى بالمجتمع القائم على المعرفة والذي على ضوئه سيتم مستقبلاً تقسيم المجتمعات إلى متقدمة ومتخلفة.. وتضع الدراسة تطوراً آخر يشهده عالم اليوم هو أن البنية المؤسسية التي يمارس التعليم عمله فيها حالياً ستنمو من حيث الحجم والوظيفة والتعقد بحيث تصبح بمثابة المجتمع التعليمي وبحيث تبدأ بالتأثير بصورة فاعلة على البيئة السياسية والثقافية والفكرية وهي مؤشرات بأن هناك تحولاً بطيئاً من النسق التعليمي المغلق والذي يتركز في العلب المدرسية إلى نسق تعليمي مفتوح وجدير بتحويل تلك العلب المغلقة إلى مقرات رئيسية للتواصل والاتصال وتحويل المجتمع إلى مواقع مترابطة لعملية التعلم.
وفي الوقت الحاضر فإن التعليم الرسمي المتمحور حول المدارس والكليات هو عصب النسق التعليمي وإن الحدود التي تعرفه وتفصله عن البيئة المجتمعية الأوسع قد تم رسمها بصورة متحجرة وإذا كان هنالك نوع من الربط فهو آلي وغير مطابق تاريخياً أو واقعياً، وعلى الله الاتكال.
|