علمنا تاريخنا المجيد دروساً قلما يتعلمها غيرنا من تاريخه، ولا أريد أن أتحدث عن الكرم والشجاعة والمروءة العربية إبان العصر الجاهلي، فهذه أمورٌ يعرفها الجميع، ويدركها كل من ينتمي إلى أمتنا العربية، وينطق لسانه بضادها المجيدة.
الذي يبهرني ويأخذ بقلبي وخيالي هو ذلك الجزء من التاريخ الإسلامي المشرّف، الذي كانت تتسابق فيه أيدي الفرسان لتأخذ كلٌّ منها بعنان فرس، وتنطلق في ساحات الجهاد، وتعمل سيفها في رقاب الأعداء، وتعود إما رافعةً راية النصر، وإما مشهرةً سبابة الشهادة.
أنا هكذا - مثل الكثيرين من المسلمين الغيورين على دينهم المحبين لأمجادهم - تأخذني تلك الصور العظيمة لتحلق بي في سماء المجد التي رفعها أجدادنا بعد أن طرزت أيديهم بساط هذا الأفق بالتضحية والفداء.
وحين أنظر إلى واقعنا، وأقرأ مفرداته، أرى ما لا يجب أن يُرى، وأسمع ما كان حريّاً به ألا يُسمع.
فها هي الأيدي تتبارى في انطلاقتها إلى «الكي بورد» لتنطلق منه إلى ساحاتٍ ليست من الساحات التي عهدتها خيول المسلمين.
في هذه الساحات لا يوجد كر ولا فر، ولا رجولةٌ ولا مرجلة ولا إغاثة ملهوف، ولا قِرى ضيف.
هذه «الساحات» مليئةٌ بالشذوذ العقلي، وبالوضاعة اللا إنسانية وتمتلىءُ بالسلوك البهيمي الذي تسيّره نفوس جبلت على المرض، وسارت في التيه والعفن.
في هذه «الساحات» دعوة صريحة كريهة لزعزعة أمن الوطن، وإدخال الرعب في نفوس المواطنين، والعمل الدؤوب من أجل زرع الفتنة والطائفية بين أبناء الجسد الواحد، الذين ما مزقتهم صروف الدهر يوماً، وما قويت عليهم مكائد الأعداء، لكنّ نفراً قليلاً من السائبة لا ينفكّون يحاولون أن ينطحوا صخرة هذا الوطن بقرونهم الواهية.
هيهات هيهات، فالقيادةُ واعية وحكيمة، والأهل الغيارى على وطنهم لا يغفلون، ولا يرغبون في قراءة تاريخ غير تاريخهم، فليفهم أولئك الذين خرجوا على قيمهم، ومرقوا من المروءة، وعاشوا في «الساحات» مفسدين. أن أيديهم قصيرة، وأن أقلامهم رخيصة، وأن قتالهم بغيٌ عليهم، فهم يقاتلون من وراء «الكي بورد» بينما تنطلق الأيدي النظيفة لإعمار الوطن، واللحاق بركب الحضارة والتقدم، وتصرُّ على أن تسطر تاريخاً مشرّفاً يليق بهم، وبوطنهم، ويكون جديراً بالالتحاق بالتاريخ المجيد الذي كتبته سنابك الخيل الأصيلة في صدر صفحة الوطن المعطاء.
| 
