* حوار : ياسر المعارك
بينما يضيق الخناق على مرتكبي الأحداث الإرهابية.. حيث تتكاتف الجبهة الداخلية لأجل اجتثاث شأفة الفكر المارق واجهاض مخططات الإرهابيين لزعزعة أمن الوطن والمواطن.. نستشعر أهمية ايجاد محطات للتوقف والتمحيص في جذور المشكلة.. تلك الجذور التي يستقي من خلالها المغرر بهم فيغرقون في متاهات الظلمة والضياع.
ولعلنا ونحن نفتح بعض الملفات المتعلقة بهذا الأمر نستشعر أهمية ان تتضافر جهود الإعلام ومنابره لسبر أغوار كل تلك الأفكار المنحرفة.. والتي تلبس رداء الدين والدين منها براء، وتتمسح بما يدغدغ وجدان الشباب من اليافعين الأغرار، ممن لم يكتمل نمو عودهم، لتجد فيهم التربة البكر التي تنمو فيها أدغال ظلامات الظالمين، فيجرون على البلاد المصائب والكوارث التي تحرق كل أخضر وتشعل كل يابس.
في هذا اللقاء الحواري نغوص في عقل الدكتور عبدالعزيز العسكر الأستاذ الأكاديمي المتخصص في المذاهب المعاصرة عميد كلية الدعوة والإعلام سابقاً في جامعة الإمام محمد بن سعود والأستاذ المشارك بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بالجامعة ليحدثنا عن الفكر التكفيري وبعض الأمور المتعلقة به والجذور التي يستند إليها والظواهر التي تداعت نتاجاً لها.
يقول العسكر في بداية حديثه:
الفكر التكفيري موجود بالمجتمعات الإسلامية منذ وقت مبكر فهو نزعة من نزعات التطرف والغلو وهو ثمرة للغلو وهذا أمر ظهر على أيدي الخوارج في عهد الصحابة رضي الله عنهم فالخوارج فئة انشقت عن المجتمع المسلم وخرجت على ولي الأمر واستباحت دماء المسلمين بحجة الحكم بما أنزل الله وظهر الفكر التكفيري منذ ذلك الوقت.
وعندما ينشط العلماء وينشط الناس في تعلم الدين الصحيح والأخذ من المصادر الصحيحة يتقلص الفكر التكفيري وينحشر في زاويا مظلمة، وإذا تساهل الناس وغفلوا عن تعلم الدين تعلما صحيحا ودراسته دراسة دقيقة عاد الفكر التكفيري ليظهر. والذي يهمنا الحديث عنه في هذا الحوار هو مجتمعنا القريب الذي نعيش فيه، فقد ظهر فكر التكفير في هذه البلاد منذ ما يقارب 30 35 سنة على أيدي بعض المنتمين لجماعة الإخوان وهذه الجماعة نشأت في مجتمعات أخرى وتبنت هذه الجماعة فكر الخوارج القديم لكن تحت مسمى جديد وهو اقامة الدولة الإسلامية الجديدة والخلافة الإسلامية. فجاء أفراد من جماعة الاخوان المسلمين إلى المملكة العربية السعودية وإلى دول الخليج على اعتبار ان منطقة الخليج بحاجة إلى معلمين ومشاركين في عمليات البناء والتنمية فجاءوا إلى هذه البلاد واتيحت لهم فرص الاختلاط بالناس فأتوا بهذا الفكر التكفيري فكانت هذه هي بداية دخول الفكر التكفيري.
* لماذا نشط هذا الفكر في هذا الوقت؟
الفكر التكفيري كان في فترة خمول كان لا يظهر، لكن إذا ظهرت أحداث تلم بالأمة كقضية افغانستان او احتلال الكويت ومجيء القوات الأجنبية بطلب حكومات دول الخليج وجد أصحاب «الفكر التكفيري» مجالا لهم لينشروا فكرهم ويقولوا: نحن الذين عندنا الرأي الصواب.
هذه القضية فيها تخطيط غربي وفيها احتلال وهنا يجب الجهاد ويتسرع بعض هؤلاء الذين عندهم غيرة على الدين فلا ينتظرون كلمة أهل العلم ولا رأي الجهات الرسمية مثل: هيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي هذه الجهات التي انيط بها الكلمة الفاصلة لأهل العلم في الأحداث فنحن لا ننتظر ونبدأ ندلي بدلونا وهنا يجد اصحاب الفكر التكفيري فرصة لكي يبثوا أفكارهم وان هذه مسألة كفر وان الحكومات الإسلامية أصبحت مرتدة...الخ ويقولون للناس أرأيتم، لابد ان تجاهد.. .لابد من اقامة الجهاد لنصرة اخواننا هنا وهناك فيتعجل الشباب في هذه الأمور فيقعون في قضايا التكفير وهم لا يشعرون وتتطور الأمور بعد ذلك إلى جماعات وتنظيمات.
* من هي الفئات التي يستهدفها أصحاب الفكر التكفيري؟
الفكر التكفيري والخروج على ولي الأمر وجماعة المسلمين باسم الاصلاح والدعوة كلها مترابطة هذه افكار وان تنوع القائمون عليها تجد ان بعض القائمين عليها مقاصدهم خير لا يفكرون في أنهم سيتحولون إلى خوارج أو إلى ارهابيين ولما دخلوا هذه المناشط لم يكن لديهم أي تفكير سوى انهم يريدون الخير ويريدون الاصلاح والدعوة إلى الله بعد ذلك ونتيجة كثرة الاحتكاك بهذه الأفكار وقراءة كتب التكفير والاحتكاك بالذين يرددون افكارا متطرفة؛ تحول الإنسان شيئاً فشيئاً إلى إنسان غريب عن مجتمعه قاس على مجتمعه ناقم عليه لا ينظر إلى جوانب الخير في المجتمع بل ينظر بعين واحدة، ينظر إلى جوانب القصور في المجتمع فقط بعد ذلك يكون مستعدا لتنفيذ ما يُملى عليه مَنْ الذي يُملى عليه هذه الأفعال من تفجير وتدمير وقتل؟
فئة قليلة من القياديين المندسين بين هذه الصفوف الكثيرة، ربما يكونوا بيننا ولا ندري عنهم شيئا فيقوم هؤلاء بالتخطيط دون ان ينفذوا بأنفسهم ويرتبون الأمور بحيث يُقاد كثير من الشباب الصغار الاغرار بحسن نية لينفذوا أفعالا يريدها المتخفون في الظلام الذين لهم مصلحة من هذا الفعل.
يعني هذا التفجير والتدمير في المجتمع والخروج على ولي الأمر لا يخدم الإسلام ولا يخدم الأمة الإسلامية فكل عاقل يرى تأثير هذه الأعمال الإرهابية فإنه قد يصم مجتمعنا المسلم بوصمة انه مجتمع يسوده الإرهاب مجتمع غير مستقر.. مجتمع به مشاكل.
فكثير من الشباب الطيبين المتحمسين لهذه الأفكار لم يتوقعوا ان يكونوا أدوات تدمير لمجتمعهم.
فأصحاب الفكر التكفيري يركزون على صغار السن حديثي الاستقامة ممن هم دون 20 سنة ما بين 15 20 سنة، بل بدأوا الآن بالاهتمام بأعمار أصغر فينشئون الطفل على كره مجتمعه بأن مجتمعه به مفاسد وغيرها من الأمور التي تنشئ الطفل على كره مجتمعه.
الآباء أولاً
* كيف نستطيع ان نكتشف وجود الفكر التكفيري في عقول أبنائنا؟
سؤال جيد، فأنت وضعت يدك على الجرح، نحن لسنا في مقام النقد فقط أو العتب فالمسؤولية مشتركة بيننا جميعاً أفراداً ومدرسين وآباء، ولكن الآباء مسؤولون بالدرجة الأولى فيجب ان يعلموا ماذا يقرأون وماذا يفعلون ومن هم أصحابهم وبماذا يفكرون وأين يذهبون.. فربما أنقذنا كثيراً من الشباب المغرر بهم، كما يجب ان يعلم الأب ما الأنشطة التي يلتحق بها فلا بد من كل مجتمع وبه أنشطة على اختلاف اختصاصاتها لكن ماذا يجري بداخلها هذا هو السؤال، فيجب اعطاء وقت كاف لأبنائنا والجلوس معهم ومناقشتهم حول بعض الأمور ورأيه بمسألة دعاة التكفير واحداث التفجير على سبيل المثال، فإذا كانت إجابته: ان هذا عمل بشع وجريمة، فإن هذا الشاب يفهم وهو على طريق الصواب، لكن إذا كان رأيه ان هذا جهاد وهؤلاء أبطال إذاً هنا المسألة بها خلل ويكون الواجب علينا بيان الحق من الباطل واعادة تأهيله.
* من خلال عملكم كأستاذ اكاديمي في أصول الدين، هل مناهجنا الدينية تخرج هذا الفكر التكفيري؟
طبعا لا، فمناهجنا بريئة من هذه التهمة بل مناهجنا تحارب هذه الأفكار، والدليل اني درست في هذه البلاد من الابتدائي وحتى حصلت على درجة الدكتوراه من خلال دراستي لهذه المناهج، لكن بعض الشباب هداهم الله يقومون بقراءة هذه المناهج ثم يتركونها ويقومون بالقراءة والاستماع إلى بعض المواد التي تبث السموم الهدامة والتي يعتقدون انها صحيحة.
* ما سبب تمسك بعض المنحرفين برأيهم التكفيري؟
يرجع السبب إلى ان الفكر المنحرف فكر لماع، يعني يشد الانتباه، لارتباطه بالقضايا الحية مثل قضايا الجهاد، احتلال افغانستان، قضايا مجيئ القوات الأجنبية، قضايا تخلط الفكر بالسياسة والسياسة دائما الناس يرغبون بالتحدث فيها، ولهذا نجح دعاة التكفير واستطاعوا الوصول لبعض الشباب عن طريق السياسة.
* ما العلاقة بين الفكر التكفيري وفكر الخوارج؟
فكر التكفير أصله فكر خوارج، وهي الدعوة إلى الحاكمية والدعوة بأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر اكبر على الاطلاق بدون تقصير، وأنه يبيح الخروج على ولي الأمر، وهذه المسألة مسألة الحاكمية هي أصل دعوة جماعة «الاخوان المسلمين» فهي قضية إثارة مسألة الحكم بما أنزل الله وجعلها قضية القضايا وجعلها هي الفاصلة بين الرعية وبين الحكام وهي التي تبيح الخروج على الحكام وقتلهم وتبيح قتل العاملين مع الحكام وتكفيرهم، ودعوة الحاكمية هي عمدة دعوة جماعة «الاخوان المسلمين» وهي أيضاً عمدة دعوة الخوارج قبل 1000 سنة.
الخوارج عندما خرجوا على عثمان رضي الله عنه وعلي بالذات رفعوا مسألة الحاكمية وقالوا: أنت لا تحكم بما أنزل الله، وقرأوا قوله تعالى: {$ّمّن لَّمً يّحًكٍم بٌمّا أّنزّلّ پلَّهٍ فّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ پًكّافٌرٍونّ} وطبقوها، مع ان العلماء لهم فيها تفصيل، فهناك كفر أصغر وكفر أكبر وهناك شيء اسمه كفر مخرج من الملة وكفر غير مخرج من الملة.
* البعض يسيء فهم مسألة الولاء والبراء فيظن ان الواجب على المسلم ان يتبرأ من كل كافر دون تفريق في حالات الكافر كالمستأمن أو المعاهد؟
هذا سببه الجهل بالدين، أنا أقول لهؤلاء لو قرأتم سورة الممتحنة لوجدتم فيها العلاج، قال تعالى: {)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ) (الممتحنة:1)
، ثم يأتي بعد ذلك في الآية الثامنة، وأنا أدعو كل شاب ان يقرأ كلام المفسرين على هذه السورة وسيجد فيها علاجا للولاء والبراء، ويقول في الآية الثامنة: {)لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:9)
هذا جانب، الجانب الآخر هناك فرق بين الولاء والبراء وبين حسن المعاملة، فلا يجوز للمؤمن ان يحب الكافر محبته للمؤمن ولا ان ينصره نصرته للمؤمن لكن ايضا الاحسان إلى الناس مطلوب.. «الخلق عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله» هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فالكافر الذي لم يحاربني ولم يعتد على بلدي لا أحاربه ولا أعتدي عليه بل أدعوه وأعامله معاملة حسنة طيبة، وعلى سبيل المثال انا مسلم وجاري غير مسلم ولكنه يؤدي حقوق الجوار وله علي حق الجوار فهل أعتدي عليه؟ بالطبع لا.
استغلال خاطئ
* الفكر التكفيري يعتمد على قوله تعالى: {فّاقًتٍلٍوا پًمٍشًرٌكٌينّ حّيًثٍ $ّجّدتٍَمٍوهٍمً} فيقولون: إن هذا في حكم كل كافر وكل مشرك، ما رأيك؟
هذه الآية استغلها التكفيريون بشكل خاطئ، والمقصود بهذه الآية هي عندما نكون بحالة حرب، ويا اخي العزيز هذه القضايا خطيرة وحساسة لا ينبغي ان يتداولها كل شخص في أي محاضرة أو درس بل يجب ان تترك للعلماء الكبار الذين يبينون فيها الحكم الشرعي، فقضية الولاء والبراء والعلاقة مع الكافر وقضايا الاصلاح والجهاد قضايا كبيرة وخطيرة تزل فيها أقدام وتزل فيها أفهام.
* ما رأي أصحاب التكفير في شرعية التعامل بين الدول المسلمة والكافرة في التعاملات الدولية مثل تبادل السفراء والعلاقات التجارية وغيرها؟
أصحاب الفكر التكفيري لا يفقهون فيها شيئاً ولا يفهمون الحكم الشرعي فيها بل يأخذون المسألة بالعاطفة، والعلاقات مع الدول غير الإسلامية علاقات لا تحكمها العواطف، هذه العلاقات تحكمها مصالح المسلمين إذا كانت للمسلمين مصلحة عند دولة غير مسلمة فلا بد ان يكون بينهم علاقة، النبي صلى الله عليه وسلم أرسل الرسل إلى الدول وتعامل مع غير المسلمين حتى انه قبل الهدية من حكام غير مسلمين.
* ما واجب المسلم تجاه فكر التكفير؟
الواجب تعلم الفكر الصحيح للتفريق بين الصواب والخطأ، ويجب عدم اتباع كل من رفع شعارا دينيا فالمنافقون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا قال الله عنهم؟ (وّإذّا قٌيلّ لّهٍمً لا تٍفًسٌدٍوا فٌي الأّّرًضٌ قّالٍوا إنَّمّا نّحًنٍ مٍصًلٌحٍونّ}، فدعوة الاصلاح قديما رفعها المنافقون، ودعوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رفعها الخوارج، ودعوة الحاكمية رفعها الخوارج قديما وخرجوا على أئمة المسلمين وقاتلوا المسلمين، فليس كل من رفع راية دينية على صواب، ويجب ان نعلم أبناءنا ذلك لأن هناك دعاة من بني جلدتنا يتكلمون بألسنتنا وهم دعاة على أبواب جهنم كما ذكر النبي صلى الله عليه، قيل: من هم يا رسول الله صفهم لنا، قال: قوم من بني جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، ويدعون إلى الإصلاح وهم يدعون إلى الخروج على ولاة أمور المسلمين والتفجير، فهل كل من رفع راية دينية صدقناه؟!
صراع طويل
* هلا حدثتنا عن صراعك ضد الفكر التكفيري؟
حقيقة صراعي مع الفكر التكفيري قديم وكان لنا صولات وجولات مع المتأثرين بهذا الفكر وعرفنا أشخاصا منهم وحاورناهم وفي عام 1411ه التي تعد المرحلة الثانية التي ظهر فيها الفكر التكفيري كان لنا أيضاً حوار مع عدد من دعاة هذا الفكر كالمسعري وغيره.. فقد تم نصحهم وتحذيرهم وبينا لهم طريق الصواب ومنهج أهل السنة والجماعة.
لكن لم يتدبروا ذلك.
* كيف كان يحدث التقاؤك بالمسعري وماهي أبرز آرائه؟
- التقيت به في بعض المناسبات العامة في محاضرة عامة مرة والتقيت به في بعض المجالس وهو يطرح آراءه في المجالمس التي يجلس فيها. وكنا نتناقش ونبين له الحقيقة.. المنهج الذي يدعو إليه المسعري الآن علانية كان يدعو إليه سراً هنا داخل البلاد وفي محاضراته داخل الجامعة، وهو لا يخفيه بل أنتم تعلمون أنه صرح في احد منشوراته بانتمائه لحزب التحرير ولكن نحن نعلم هذا عنه من قبل منذ أن كان هنا ومن واجب النصيحة الواجبة لكل مسلم نصحناه وكان يتهمنا بالوهابية وأنا بالذات يتهمني بالوهابية وهذا شيء أتشرف به أن أكون واحداً ممن تتلمذوا على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأرجو أن أكون كذلك هذا شرف لي. كان يرمينا بهذا ويقول بأنكم أهل مداهنة وشيء من هذا القبيل. وكنا نتناقش في هذه المسائل ونريد أن نرده إلى جادة الصواب ولكنه يطمع في جذب أكبر عدد من الناس فكل من أنس منه استعداداً للمناقشة ناقشه.. وأذكر أنه جاء لي ببعض الأوراق والمنشورات يريد مني أن أوقع عليها كما دلس على بعض طلبة العلم وبعض الشباب ليوقعوا عليها فرفضت وكان يعتبر هذا مني، ضعفاً وخورا وكنت أبين له وجهة نظري وأحياناً يصل النقاش بيننا إلى نقطة عدم الالتقاء وعدم الاتفاق نظراً لاختلاف المشارب فهو ينزع منزع المعتزلة وينهج النهج العقلاني. وأنا أعرف أن بعض طلبة العلم أخذوا عليه في أشرطة مسجلة ومحاضرات له متابعات وطبعت في ورق وتابعوه فيها وبينوا أنه يقول بإنكار القدر واللوح والقلم ويقول بخلق القرآن ويقول بإنكار الصفات ويقول بإنكار قاعدة سد الذرائع وإبطالها وهذه هي أفكارالمعتزلة من قديم وليست جديدة. ولما صرح لي بانتمائه لحزب التحرير أدركت سر هذه الأفكار التي يقولها فهي أفكار حزب التحرير ومن قرأ مؤلفات تقي الدين النبهاني الذي أسس حزب التحربر عام 1372هـ ومن أبرزها كتاب الشخصية الإسلامية ومن قرأ مؤلفاته عرف أنه ينزع إلى منزع المعتزلة ويرى آراءهم بل إن حزب التحرير كما هو في مطبوعاتهم يحرم على أتباعه الإيمان بعذاب القبر (تحريم) ويفصل من عرف عنه أنه يتكلم بهذه المسألة يفصله من الحزب فالمسعري صرح لي بانتمائه لهذا الحزب بل وطلب مني أن أتريث في الحكم على حزب التحرير حتى أقرأ كتاب النبهاني وأعطاني كتابا من كتب النبهاني وقرأته فوجدت نفس أفكار المعتزلة القديمة. وبحكم تخصصي وكوني أستاذ عقيدة فمعرفتها ليست صعبة بل ميسرة. وبدأت الحقيقة أتخوف من هذا الرجل فقد صرح بأنه ينتمي لحزب التحرير وقال اننا انتهينا من المرحلة الأولى مرحلة التثقيف وسنخرج إلى مرحلة طلب النصرة أو كما يقولون في أفكار حزب التحرير، الشاهد يا أخي انني تناقشت معه في قضية خلق القرآن وقلت له مالك وهذه المسائل تحييها من جديد وقال ما يضيرك أن يكون القرآن مخلوقاً المهم أن يكون قرآنا سواء كان مخلوقاً أو منزلا. فهذا يدل على جهله تماماً بعواقب هذه القضية لأنه إذا قيل أن القرآن مخلوق فقد أنكرت صفة الكلام لله عز وجل ومعنى هذا أن ربنا سبحانه وتعالى يوصف بالنقص لأن عدم الكلام نقص ومعنى هذا أن كثيراً من المسائل في أحوال يوم القيامة لا صحة لها، وتصبح أمثالاً مضروبة، وهي الأحوال التي فيها ذكر قول الرب وخطابه للملائكة وخطابه للرسل وخطابه للناس وخطابه للجنة والنار.. الخ. هذا يدل على جهل هؤلاء القوم وخطورة هذه المسائل والكلمة التي أنا متأكد أنني سمعتها منه قوله:«وما يضيركم أن يكون القرآن مخلوقاً» ومما نقل عنه بعض محاضراته في الداخل ولعله كان يقول ما رأيت أغبى وأقل علماً ممن يهتمون بهذه القضايا وكأنه يتندر بموقف الإمام أحمد بن حنبل في قضية خلق القرآن وما طرأ فيها، وشيء من هذا القبيل، فالرجل كان يعلن أفكاره ونرد عليه في محاضراتنا إذا طرقنا مسألة الاعتزال وأفكار المعتزلة ونبين أنه تبناها حزب التحرير وبعض الجماعات الإسلامية في وقتنا الحاضر التي تتكلم في التكفير ومسائل كثيرة وهو يعلم أننا نرد عليه إذ ينقل له الشباب ذلك وكنت أذكر له إذا التقينا أنني أرد عليه، ومرة من المرات قال لي أحد طلابي في الجامعة أن المسعري يا أستاذ تاب عن هذه المسائل فقلت له أنا لم أطلع على شيء من هذا فقدر الله عز وجل أن لقيت المسعري في أحد المجالس فقلت له ما قصة هذه التوبة التي قيل فيها أنك كتبت ورقة رجعت فيها عن إنكار القدر والقول بخلق القرآن وإنكار اللوح والقلم وأنك وقعتها فأريد أن أراها قال لي بالحرف: أنت تصدق هذا الكلام؟ اشغلني الشباب عن بعض المسائل فقلت لهم اكتبوا ما تريدونه وأنا أوقع عليه حتى أني لم استبق صورة منها عندي.
تطاول وازدراء
* ما أبرز آراء المسعري والفقيه؟
- كانت أبرز آرائهم تكفير الدولة وما دام أنها دولة كافرة فيجب إسقاطها وإسقاط كل من يدين لها بالولاء حتى العلماء الكبار بل تطاولوا بأن أطلقوا مسمى على هيئة كبار العلماء وسموها هيئة كبار العملاء ويعتبرون أي عالم يسمع ويطيع لهذه الحكومة فهو كافر مثلها.
ولذلك نرى أن المسعري خرج في القنوات الفضائية يبارك هذه التفجيرات ويهنئ هؤلاء الشباب وأنا أعلم تماماً أنه لايستطيع أن يعمل شيئاً من هذا فهو مفلس لكنه يريد أن يركب الموجة والمسعري يريد أن يستفيد من هذه الأحداث التي تحصل.
* ما موقف التكفيريين من السياسة والإعلام؟
- التكفيريون يركبون السياسة إذا كانت تخدمهم وهم يرددون أن عزل السياسة عن الدين منهج علماني صحيح أنه لا فصل بين الدين والسياسة لكن ليس كل طالب علم شرعي يفهم بالسياسة وليس كل سياسي يفهم في الدين فلا بد من مراعاة التخصص فهناك متخصصون يفهمون في السياسة الدولية وألاعيب وحيل السياسة والسياسيين لايستطيع أن يسلم بها بعض العلماء. إذاً العالم عندما يريد أن يتحدث بأمر سياسي يجب أن يرجع إلى رأي سياسي محنك والعكس صحيح فلهذا نرى مجلس الشورى يضم تحت قبته العديد من المختصين لمختلف الإختصاصات قانون وشريعة وطب وهندسة وغيرها...
* من خلال إطلاعك على العديد من الكتب هل هناك كتب تكفيرية تباع في أسواقنا؟
- هناك العديد من كتب فكر الإخوان المسلمين تباع هنا مثل التربية الروحية لسعيد حواء والتربية عند الإخوان المسلمين لعلي عبدالحليم محمود وكتاب جند الله. وهناك مكتبة متخصصة لا تأتي إلا بكتب الحركيين الإسلاميين.
وبعد التطور التكنولوجي لا نستطيع أن نمنع الكتب الضالة فهي موجودة على الإنترنت.
*هل هناك رسالة توجهها لأصحاب الفكر التكفيري؟
هناك عدد من الرسائل الأولى للتكفيريين: عليهم أن يتقوا الله عز وجل وأن يراقبو الله وأن لا يتهاونوا بمصير الأمة. وأقول لاخواننا الشباب الذين تأثروا بهذا الفكر بإمكانهم الرجوع إلى الحق ويمكن خدمة الإسلام بعيداً عن الفكر التكفيري، أرجعوا إلى منهج أهل السنة والجماعة.
|