تتسابق البنوك على تقديم القروض الاستهلاكية للأفراد والأسر وتروج لها تحت مسميات مختلفة وتتبع في ذلك شتى السبل مدفوعة بالرغبة في تحقيق أقصى قدر ممكن من الأرباح، وبحجم السيولة الهائل لديها، وباتجاه المجتمع نحو مزيد من الانفاق الاستهلاكي، وبانخفاض الدخول الحقيقية لدى شريحة كبيرة من الأفراد والأسر.
والقروض وإن وفرت قوة شرائية حالية لحل أزمة معينة إلا أن هذه القوة مؤقتة وعلى حساب القوة الشرائية المستقبلية. والقروض وأشباهها مثل الشراء بالتقسيط والايجار المنتهي بالتمليك والتورق وبطاقات الائتمان وغيرها وهي وإن أسهمت في حل مشاكل آنية لطالبيها ومستخدميها إلا أنه ينبغي ألا تغفل آثارها السلبية عليهم وعلى المجتمع ككل. وتكمن المشكلة هنا في إساءة استخدام القروض وأشباهها وفي افتقار الكثير لما يعرف بالتخطيط المالي الذي يسهم في التوفيق بين دخول الأسرة ومتطلباتها وانفاقها الاستهلاكي على المدى القصير والطويل. والذي يحصل الآن لا يمت لهذا بصلة، فبمجرد ظهور حاجة لشراء سلعة فالاقتراض أو شبيهه موجودان بدون الأخذ في الاعتبار ما يترتب عليهما من التزامات مالية مستقبلية ومدى القدرة على الوفاء بها.
ولاشك أن للتوسع في منح القروض وأشباهها واستخدامها آثاراً سلبية كثيرة لا تقتصر على المقترض بل تمتد للمجتمع، فتوفير قوة شرائية اضافية سبب رئيس للتضخم وتآكل الدخول الحقيقية ليس للمقترضين فحسب، بل لكافة أفراد المجتمع. وهذا السبب هو الذي يجعل كثيرا من المتخصصين والمهتمين ينظر للمؤسسات المالية على أنها تسعى لتعظيم أرباحها على حساب أصحاب الدخول الاسمية الثابتة. فهي تحقق مزيداً من الأرباح مع كل قرض تجريه وهو ما يتسبب في زيادة الأسعار وانخفاض الدخول الحقيقية للمقترضين وغيرهم، الأمر الذي يؤدي أيضا الى جذب مزيد من المقترضين.
ولا يختلف في هذا الأمر الحصول على التمويل عن طريق ما يروج له الآن على أنها أساليب تمويلية شرعية أو عن طريق القروض الربوية.
فكلاهما يوفر قوة شرائية اضافية تولد ضغطاً على الأسعار في الاتجاه الصعودي، وهذا من الأمور التي لا يناسب اغفالها عند ابتكار وتصميم أداة تمويلية شرعية، فليس مجرد خلوها من الربا أو التحايل أحيانا في أخذه سببا كافيا لوصفها بأنها شرعية والدعاية لها على هذا الأساس استغلال لعاطفة الناس الدينية.
وليس من المبالغة القول بأن التوسع في استخدام القروض وأشباهها يترك المجتمع مدينا لعدد محدود من المؤسسات المالية، فما يقبضه الشخص في نهاية الشهر مقابل عمله لا يذهب لحسابه، بل لحساب المؤسسة المالية التي اقترض منها الأمر الذي يؤثر سلبا على انتاجيته ورغبته في العمل.
والنتيجة الطبيعية لشيوع هذه الأنماط السلوكية على المدى الطويل هو تزايد أعداد الفقراء واستفحال حدته في جهة وظهور طبقة محدودة الأفراد مفرطة في الثراء على حساب الطبقة الأولى في جهة أخرى.
إن تمويل الانفاق الاستهلاكي عن طريق القروض وأشباهها - وإن كان صالحاً في بعض الحالات - فإنه ليس كذلك في جميع الحالات. وكذا فهو غير مناسب لأن يكون أسلوباً دائماً لتغطية الانفاق الاستهلاكي، ولا يقاس على المجتمعات التي تراه كذلك، لأن لها أطرها الاقتصادية والقانونية التي تشجع على أن يكون كذلك وهذا ليس بمتاح دائماً.
|