أُجريت حديثاً في النيجر بأفريقيا السوداء تجربة علمية ربما تبعتها تجارب مماثلة في سائر البلدان الحارة للقضاء على آفة نكيرة من آفات المزروعات وهي الجراد بشتى أجناسه.
وكان موضوع هذه التجربة أفتك أجناس الجراد المعروف باسم «الجراد المهاجر أو الرحال» إذ إنه لا يستقر به قرار، بل يرتحل من بلاد إلى أخرى، وأينما انتهى به الترحال أتلف كل المزروعات وأتى على الأخضر واليابس.
ولذلك يسمونه في بعض اللهجات الأفريقية السوداء باسم ترادفه بالعربية لفظة «اللعنة» تمتد رقعة هذا الشر إلى مساحة 12 مليون كيلومتر مربع من أفريقيا السوداء إلى بلاد الهند، ولذلك تتصادف هذه الرقعة ورقعة الجوع الجغرافية على الكرة الأرضية فإن الجراد الرحال لا يكاد يفرغ من افتراس المزروعات ولاسيما الحبوب في موقع من هذه المواقع حتى يهاجر إلى موقع آخر ولا يزال مقيماً به حتى يحوله إلى مساحات جرداء إذ يجردها من كل نبات. فإن هذا الجنس زحاف وطيار في آن واحد، أما الزحف فيستخدمه للمكوث بين المزروعات وافتراسها، وأما الطيران فهو وسيلته للهجرة والتنقل ريثما يجد مكاناً آخر يسقط على نباته وحبه ومائه فيبيد كل ما يجده ولا يبقى على شيء.
وقد تتجمع منه جحافل طولها 30 مترا، وعرضها سبعة كيلومترات مثلما حصل منذ بضعة أعوام في الصومال، حيث انتشرت مجاعة ليس لها نظير في تاريخ تلك البلاد الحارة والفقيرة حتى من غير جراد رحال!
وأحصى خبراء منظمة التغذية العالمية والزراعة وقت حلول تلك الكارثة، عدد الحشرات فوجدوا أنها كانت تجاوز عشرة مليارات! وعلى هذا كان بمقدور ذلك الجيش من الحشرات أن يفترس كل يوم 200 ألف طن من الحبوب والمزروعات!
واستطاعوا أن يحسبوا ذلك بالطريقة التالية: بما أنهم يعرفون كثافة طوائف الجراد الزاحفة في صفوف متراصة على مساحة 210 كيلو مترات مربعة، وربما أنهم يعرفون معدل وزن كل حشرة، ويعرفون أيضاً أن كلا منها يأكل ما يعادل وزنه كل يوم، فلذلك استطاعوا أن يحسبوا على وجه التقدير ما تفترسه جحافل الجراد مدة زحفها.
ومن أخطر شرور هذه الطوائف من الحشرات أنها تطير مع تيارات الرياح فتسافر مسافة بضعة ألوف من الكيلومترات من غير عناء.
الأسلوب الجديد في المكافحة:
الصورة الجوية
أما أساليب المكافحة فإنما أنجعها الأسلوب الجديد الذي جربته منظمة التغذية والزراعة حديثاً في النيجر، وهو أفراد طائرات خاصة لالتقاط الصور عن مواقع إقامة الجراد الرحال ثم تكبير هذه الصور والفائدة من التصوير إنما هي أولا معرفة جهة الزحف لكي يتسنى اتقاء الشر قبل وقوعه في مواضع أخرى، وهذا ما سموه «الكفاح بالوقاية»، ثم تسهيل ابادة هذه الحشرات حيثما كانت زاحفة اذ بوسع الطائرات نفسها بعد التصوير والتثبت من موقع الجراد، ان ترشه بوابل من المواد المبيدة للحشرات.
فمن خصائص هذه الطائرات التي تكلفت التجربة أنها تطير بجوار الأرض ثم ان سرعتها لا تتجاوز مائتي كيلو متر في الساعة.
وبديهي انه لابد من انقضاء بعض الوقت لكي يكتسب الاختصاصيون الخبرة اللازمة لتفسير الصور المكبرة فليس بالسهل اليسير التمييز بين الحشرات والعشب والهشيم المتناثر في الأراضي المزروعة.
|