إن في التاريخ لعبراً لمن أراد أن يعتبر، فهل من معتبر؟ والسعيد من اتعظ بغيره، فكم من متكبر تكبر وتجبر على الله وعصى فصغره الله وحقره، وكم من ظالم ظلم وطغى وسلب ونهب فأذله الله وأخزاه، وكم من معرض عن ذكر الله ظلم نفسه وظلم أهله فجعله الله عبرة للمعتبرين .
فالتاريخ مليء بمثل هذه النماذج والمشاهد التي تمر على الإنسان في حياته كثيرة ولكن من يستفيد ويتعظ قليل.
توعد الله الظالمين بآيات كثيرة في القرآن حيث قال تعالى: { أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ، وقال تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}. وقيل في هذه الآية: هذا تسلية للمظلوم ووعيد للظالم، وقال تعالى: { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} وقال تعالى: { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}،
وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الظلم مهما كان مقداره فقال صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع حق امرئ مسلم أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال له رجل: يا رسول الله، ولو كان شيئاً يسيراً؟! قال: ولو كان قضيباً من أراك»، وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياك ودعوة المظلوم، فإنما يسأل الله تعالى حقه»، وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد ظلم فشخص ببصره إلى السماء إلا قال الله عز وجل: لبيك عبدي حقاً لأنصرنك ولو بعد حين».
وقال الشاعر:
تنام عيناك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم |
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم.
ويقال: من طال عدوانه زال سلطانه.
والتاريخ مليء بالأحداث وطغاة الطاغين، ولو أردنا سردها لطال بنا المقام، ولكن حسبنا أن النهاية واحدة مهما اختلف الفعل وشخص الفاعل.
إن في السقوط المأساوي والذليل لصدام حسين أكبر عبرة لمن أراد أن يعتبر، فبعدما كان يقود الرجال صار يقاد في ذل وحقران، وبعد أن كانت ترتعد أمامه فرائص الرجال أصبح لا يخافه أحد ولا يهابه وهو من قبل كان المهيب فإن الألقاب والأسماء لم تدافع عنه، واين النياشين والأوسمة التي كانت معلقة على صدره؟! لم تحمه؟! وأين فدائيو وصدام؟! وأين الحرس الجمهوري، الذي قيل عنه الأساطير؟! لقد ذابوا قبل أن يسقط تمثال صدام؟!؟!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بعض الآثار: إن الله ليقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة.
إنني في هذا المقال لا أتشفى من صدام ولكن أدعو إلى الاتعاظ والاعتبار من هذا المصير، فإلى كل من ظلم نفسه وأسرف عليها بالمعاصي قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّه}.
وإلى كل من أخذ حق أحد بغير وجه حق تذكر قول الله تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}.
وحق الله إن الظلم لؤم
وإن الظلم مرتعه وخيم |
وإلى كل من ولي من أمر المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً أقول: قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى}
وقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..»
وقد قيل من قبل:
إذا خان الأمير وكاتباه
وقاضي الأرض داهن في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل
لقاضي الأرض من قاضي السماء
فاصة
من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله.
خاتمة
اللهم احفظ أمننا، واحفظ وطننا وولاة أمرنا وسدد خطاهم ،وانصرنا على من عادانا، ورد كيد الكائدين في نحورهم.
|