قبل عشرة أعوام من الآن رحل الأديب الفيلسوف زكي نجيب محمود، الذي كان يؤمن بأهمية العقل في حياتنا، وأن الشرق يستطيع أن يكون غرباً من الناحية الثقافية والعلمية والصناعية دون أن يكون في ذلك أي مساس بعقيدته الإسلامية ودينه الإسلامي الشريف من منطلق أن الشريعة الإسلامية عندنا هي التي تأمرنا بأن نوغل في العلم ما وسعنا ذلك. فكان الدكتور زكي توليفة نادرة في تكوينه الفكري والثقافي.
بداية حياته
ولد الدكتور زكي نجيب محمود في قرية ميت الخولي عبدالله بمحافظة دمياط، وفي الخامسة من عمره انتقل إلى القاهرة؛ حيث أقام بحي السيدة زينب، ومنها انتقل إلى السودان؛ حيث نال الشهادتين الابتدائية والثانوية من كلية جوردون.
ثم حصل على ليسانس الآداب والتربية من مدرسة المعلمين العليا عام 1930م، وحصل علي البكالوريوس الشرفي ثم رسالة الدكتوراه في الفلسفة من نفس الجامعة، وكان موضوعها «الجبر الذاتي» وفي عام 1956م تزوج من الدكتورة منيرة حلمي أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس، وعين للتدريس بكلية الآداب جامعة القاهرة، ثم انضم كعضو في لجنة التأليف والترجمة عام 1934م قبل أن يتزوج الدكتورة منيرة حلمي.
مناصبه
اشترك مع المرحوم أحمد أمين في إصدار سلسلتين من كتب الفلسفة وتاريخ الآداب. فقد تولى رئاسة تحرير مجلة الثقافة في الفترة من 1948 - 1951م وجعل منها مناراً للفكر المتجدد، كما رأس تحرير مجلة الفكر المعاصر التي لعبت دوراً مهمّاً في الثقافة المصرية في الستينيات واستقطبت المجلة كبار المفكرين وأصبحت في عهده منارة ثقافية، وكان عضوا بالمجلس القومي لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وهو عضو لجنة التأليف والترجمة والنشر وعضو في المجلس الأعلى للثقافة والمجلس القومي للثقافة والإعلام كما كان أحد كبار كتاب مؤسسة الأهرام، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة عام 1959م ووسام الفنون والآداب من الطبقة الأولي عام 1960م والجائزة التقديرية في الآداب عام 1975م ووسام الجمهورية من الطبقة الأؤلى عام 1975م كما فاز بجائزة سلطان العويس بدولة الإمارات العربية المتحدة 1991م، وقد تنوعت أعماله في مجال التأليف والترجمة.
أعماله
لقد تنوعت أعماله في مجال التأليف والترجمة وشملت مؤلفاته قصة الفلسفة اليونانية عام 1935م، وقصة الفلسفة الحديثة عام 1936، وقصة الأدب في العالم من «1934 - 1948»، وفنون الآداب/ وجنة العبيط 1947م/ والمنطق الوضعي 1951/ ومورووطريقة التحليل عام 1952م/ وخرافة الميتافيزيقيا 1953م/ والثورة على الأبواب 1953م/ أيام في أمريكا 1955م/ حياة الفكر في العالم الجديد 1956م/ قشور ولباب 1957م/ ديفيد هوم 1957م/ نحو فلسفة علمية 1958م/ الشرق الفنان 1960م/ جابر بن حيان 1960م/ شروق من الغرب 1961م/ فلسفة وفن 1964م/ أسس التفكير العلمي 1977م.
ويحدد المفكر العربي ثقافتنا في مواجهة هذا العصر وثقافة المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري في تحديث الثقافة العربية رؤية إسلامية عربية بين ثقافتين. حصاد السنين.
أما في مجال الترجمة فقد اشتهرت ترجمته لمحاورات أفلاطون وترجمته للكاتب والروائي الإنجليزي «ويلز» رائعته الأغنياء والفقراء، كما أسهم في ترجمة السفر الخالد قصة الحضارة «لويل ديورانت»، وترجم جزئين من كتاب تاريخ الفلسفة الغربية «لراسل» وكتاب المنطق «لديوي»، وله بالإنجليزية «البحث عن الذات» وقد ترجمه إلى العربية الدكتور إمام عبدالفتاح إمام.
علاقته بالصحافة
بدأت علاقته بالصحافة منذ أن كان شاباً؛ حيث تقدم بصحبة ثلاثة من أصدقائه للعمل بجريدة الأهرام بالمجان، لكن أنطون الجميل رفض ونصحهم بالمذاكرة بدلا من الغوص في عالم الصحافة، فتوجهوا إلى دار السياسة الأسبوعية حيث طلب منهم رئيس تحريرها الدكتور هيكل موضوعاً معيناً لكل منهم. فكان نصيب الدكتور زكي موضوعا عن «سميراميس»، وكان أول من سلم موضوعه للدكتور هيكل، لكن المفاجأة أن الكتيب ظهر دون ظهور اسمه الذي كان أول وآخر تجربة له مع الصحافة في مطلع شبابه.
فصدر عنه العديد من الكتب والأبحاث، كما أقيم عن فكره العديد من الندوات، وخاصة التي تقيمها هيئة الكتاب سنوياً.
الجوائز التي حصل عليها
حصل الدكتور زكي نجيب محمود على العديد من الجوائز، كان أولها جائزة التفوق الأدبي من وزارة المعارف عام 1939م، ثم حصل على جائزتي الدولة التقديرية الأولى عام 1960م في الفلسفة عن كتابه «نحو فلسفة علمية»، والثانية في الأدب عام 1975م ونال معها وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى في الفنون والآداب، كما منحته جامعة الدول العربية جائزة الثقافة العربية في ديسمبر 1984م، كما منحته الجامعة الأمريكية درجة الدكتوراه الفخرية عام 1985م، وحصل على جائزة وشاح الإمارات الثقافية وهذه الجائزة لا تمنح إلا للبارزين.
والدكتور زكي نجيب محمود توليفة نادرة في تكوينه الفكري والثقافي، فقد كان أقرب للثقافة الموسوعية، ولعل السبب في ذلك كما أكده فاروق جويدة قربه الشديد من عباس العقاد، وصداقتهما القوية، وهناك تشابه كبير بينهما في عمق الرؤى وصدق البصيرة والاعتداد بالنفس.
ولم يكن مهتماً بقضايا الفلسفة وحدها، وهي مجال تخصصه الأساسي؛ فقد تخرج على يديه أجيال من أساتذة الفلسفة الكبار على امتداد الساحة العربية، وكانت له رحلة أخرى مع النقد الأدبي، وفيها حاول بعمق أن يطبق رؤاه الفلسفية والعقلية في إطار وجداني عميق في النقد الأدبي وقد اتسمت دراساته بالبساطة والجدة.
وتميز الدكتور زكي نجيب محمود بحس نقدي غاية في الدقة والروعة والثراء، فلا تجديد بدون نقد، أما المقلد الذي يكون مجرد متابع للآخرين فهو مجرد مردد للتراث لمجرد أنه تراث.
وبعد:
ولا شك أن الحديث عن الدكتور زكي نجيب محمود العالم والمفكر والناقد والمترجم حديث يحتاج إلى مساحات ومساحات حتى يمكن لنا أن نحيط بقدر ضئيل من إنجازات رحلته العلمية والفكرية ودوره في الثقافة العربية.
(*)كاتبة ومحررة صحفية وعضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال |