يصطبغ الواقع الفكري لغير المسلمين بثقافة بلدانهم التي قدموا منها وتبدو هيمنة الفكر المادي واضحة على غير المسلمين لاسيما النصارى منهم فقد فتنوا بهذه الحياة الدنيا وجعلوا للدين نصيباً هامشيا في حياتهم وارتكز تفكيرهم على المادية والعقلانية والتفكير والتقليد الأعمى فالدنيا في قلوبهم عظيمة وهم لا ينفكون عما صورهم القرآن في آيات عديدة تبين سماتهم كما في قوله تعالى: { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } فقد ذكر الله لهم في هذه الآية وصفين لا ينفكان عنهم العلم بظاهر الحياة الدنيا والغفلة عن الآخرة. إن هذه الآية تبين نمط التفكير عند الماديين الذين لا يعيشون إلا لهذه الحياة الدنيا وعطلوا التفكير في الآخرة وغفلوا عنها ولم يدركوا المعنى الحقيقي لهذه الدنيا وعبدوا أهواءهم فأصبحوا كالأنعام السائمة بل هم أضل منها كما وصفهم القرآن في قوله تعالى: { لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} وقوله تعالى: { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } . ومن الحقائق المعلومة تتفاوت مصادر التلقي للمعارف عند غير المسلمين بحسب المستوى التعليمي وطبيعة العمل فأصحاب المستوى التعليمي العالي يختلفون عن غيرهم في مصادر التلقي كما ان طبيعة العمل وساعات العمل تفرض على العامل نوعا من أنواع مصادر التلقي المتعددة من القراءة والسماع ومتابعة وسائل الإعلام المختلفة وغير المسلمين في دول الخليج بشكل عام منهم فئة ليست قليلة من ذوي المستويات التعليمية المتدنية حيث القراءة والكتابة وهذه الظاهرة (ليست ظاهرة عفوية بل هي تتمشى مع الاحتياجات الفعلية للبلدان المستوردة لها) كما ان ذوي التعليم المتوسط والثانوي ايضا يشكلون نسبة عالية والأمية الثقافية التي يتسم بها هؤلاء لها أثرها على المجتمع بشكل عام وعلى دعوتهم بشكل خاص فهي تزيد نسبة الأمية في المجتمع فهو الأمر الذي تسعى كل دولة الى مكافحته ووجود هؤلاء الأميين يعارض ذلك كما أن الأمية مدعاة الى الممارسات الخاطئة والعادات السيئة وسبب رئيسي في انتشار الخرافات والأساطير وإذا كان المجتمع يستفيد فكريا من وجود الطبقة المثقفة وأصحاب المستوى التعليمي العالي وأهل الخبرة العلمية فإنه في المقابل يتضرر كثيراً من وجود أصحاب المستوى التعليمي المتدني الذين لا ينقلون إلا ما هو هامشي في مجتمعهم ولذلك تكثر الخرافات والأباطيل عند الأميين اكثر من غيرهم على ان غير المسلمين يلقون اهتماماً في بلدانهم اكثر من المسلمين فهم احسن حظا في التعليم من المسلمين الذين يشكلون اقلية في تلك البلدان كما هو الحال في الفليبين والهند مثلا وليس الغرض هنا تتبع الآثار العامة التي تنجم عن تدني المستوى التعليمي لغير المسلمين فإن البحث في ذلك يطول وإنما الغرض تتبع اثر امية غير المسلمين في مجال الدعوة الإسلامية ويتمثل ذلك في ان الأميين هم الصق الناس بالتقليد الأعمى الذي ذكر في القرآن الكريم في آيات عديدة كما في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ
، وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ } إن كثيراً من غير المسلمين من ذوي التعليم المتدني يحكمون على الإسلام من خلال واقع المسلمين المعاصر وانه لواقع يبتعد احيانا كثيرة عن منهج الإسلام ومبادئه وهم لا يبحثون ولا يقرؤون اصلا في مصادر الإسلام ومنابعه الصافية ولذلك فهم لا يتصورون حقيقة الإسلام ولا يعلمون عنه شيئا يذكر وربما كان غالب تصورهم عنه اليوم من خلال ما يرونه من تلبس بعض المسلمين في بلدانهم بالخرافات العديدة التي يمارسها الصوفية والقبورية حيث المقامات والمزارات والخرافات وهذه لاشك لها الأثر السيء على الدعوة ولذلك فإن من صميم احتياجات الدعوة في العصر الحاضر ان يدرك الدعاة ان مخاطبة هؤلاء تختلف عن غيرهم فهم وان كانوا ظاهرا اكثر تمسكا بعقيدتهم ونفوراً من غيرها واكثر عنادا وتعصبا لما ورثوه من آبائهم ككفار قريش في عهد النبوة إلا انهم يعيشون خواء في العقيدة ولاسيما من دخل منهم في النصرانية فلم يجد فيها ما يروي غليله فعاد الى دينه وهو اقل اقتناعا به من ذي قبل وهذا كله مما يسهل قبول هولاء دعوة الإسلام ويقابل ذوي المستويات التعليمية آخرون من ذوي التعليم العالي وهؤلاء عندهم شيء من المعاوف الفاسدة والحجج الباطلة وبعضهم قرأ عن الإسلام كثيرا فتشبع بآراء كثير من خصومه من المستشرقين وغيرهم الذين كتبوا عن الإسلام ونفثوا حقدهم وبغضهم المقيت في ثنايا كتاباتهم مما يحتاج من الداعية إلى توظيف إمكاناته العلمية والعقلية واستثمار الوسائل المناسبة في إقناع هؤلاء بالجدل والمناظرة ولكن يجب ان يكون المجادل على علم بالإسلام وعلى علم بالدين الذي عليه الخصم ليتمكن من إفحام خصمه لان المجادل يحتاج الى أمرين: أحدهما إثبات دليل قوله والثاني: إبطال دليل خصمه ولا سبيل إلى ذلك إلا بمعرفة ما هو عليه وما عليه خصمه ليتمكن من دحض حجته.
|