لقد كثر الهرج والمرج حول الإعلام في بلادنا العربية والإسلامية بشكل عام وفي مجتمعنا السعودي بشكل خاص، وكان مما ساعد على ارتفاع جذوة المتداخلين في الشأن الإعلامي، ما وصلت إليه الأمور في عالمنا من تردٍ في أحوال كثيرة راح الناس تجاهها ينشدون الإنقاذ الإعلامي، وانقسم المجتمع إلى أصناف عديدة بين مؤيد ومعارض لاتجاهات العمل الإعلامي، بأنماطه المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة، وراح المهتمون بالشأن العام يقدمون رؤاهم وأطروحاتهم من أجل أن يكون إعلامنا أفضل.. حتى إن منهم من ذهب مذهباً يرى فيه أن أصل مشكلتنا تكمن في وسائل إعلام غير قادرة على التفاعل مع متغيرات العصر والمرحلة، وغير مؤهلة لتقديم بديل نموذجي لما تقذف به القنوات الفضائية من حمم إعلامية عالية المستوى المهني، بالقدر الذي أوشكت أو هي قامت معه بدكّ كثير مما استقر من مفاهيم الممارسة الإعلامية والاستهلاك الإعلامي للوسائل المحلية المتاحة.
وفي غمرة التناول النقدي لواقع الاعلام السعودي بدأ الإعلان عن ظهور قناة (الإخبارية) باعتبارها منتجاً إعلامياً احترافياً يعنى بأهم وظيفة من وظائف الإعلام المعاصر وهي (الإخبار)، وأظن أن عدداً من المعنيين بالشأن الإعلامي أنفسهم لم يكونوا متحمسين لهذه الفكرة، ربما لأن القناة الإخبارية ستخرج من بين أسوار مجمع التلفزيون بالرياض الذي كان هدفاً لكثير من الأطروحات الناقدة للواقع الإعلامي.. وبدأ الناس يترقبون النصف الثاني من شهر ذي القعدة، بلهفة وقلق كبيرين، تماماً، كما كان القروي يترقّب على عتبة داره قدوم ابنه المسافر إلى العالم البعيد، وأكاد أجزم أن يوم انطلاق القناة في التاسع عشر من الشهر ذاته عند الساعة الثانية ظهرا قد شهد مخالفات نظامية من قبل عدد من الموظفين الذين ربما تركوا مكاتبهم قبيل نهاية وقت العمل الرسمي، ليشهدوا انطلاقة القناة في منازلهم.. ويبدأ العد التنازلي.. ويترقب الناس قدوم المجهول (الفصل) لأن القناة فاصلة - بحق - بين أن نكون أو لا نكون.. وتحين ساعة الصفر.. فتزول شمس ذلك اليوم، ليشرق نور القناة (المفاجأة).. وليقطع إعلامنا من خلال ولادة قناة (الإخبارية) قول كل مفوّه.. ولنثبت للعالم - من جديد - أننا إذا أردنا الفعل فعلنا، وإن أردنا التميُّز في الفعل لم يسبقنا إليه أحد، ومضت ساعات اليوم.. ولم أكد أستحضر من تراثنا العربي - حينها - إلا اسم (جَهيزة) وهي امرأة قطعت على خطباء قومهم خطبهم، حين كانوا قد اجتمعوا للصلح بين فئتين، لثأر بينهما، بقولها: إن القاتل قدظفر به بعض أولياء المقتول فقال بعضهم: قطعت جهيزة قول كل خطيب، وأصبح ذلك مثلاً يضرب لمن يقطع على الناس، ما هم فيه من هرج ومرج بمفاجأة يأتي بها لتفصل القول ولتنهي الشقة.
لقد قطعت الإخبارية قول كل مهتم بالشأن الإعلامي المحلي، ناقد لحاله فطوبى لكل من كان وراء هذا الإنجاز من رجال أوفياء، وهنيئاً لوطني الكبير بهذه البداية الموفقة لقناة احترافية عملاقة، وهنيئاً للكفاءات الشابة التي بدت ترفل في نعمة الاحترافية وتفوح (بالطموح) لأن نكون الأفضل، والأقرب للموضوعية والمصداقية، وهنيئاً لقيادة هذه البلاد دعمهم السخي للمشروعات الوطنية العملاقة، وهنيئاً لهم بإخلاص أبنائهم وتفانيهم من أجل الوطن، وهنيئاً لمعالي وزير الثقافة والإعلام على هذا المنجز التاريخي في رحلة الإعلام السعودي، وهنيئاً للأوفياء من رجاله الذين شدوا عضده وآزروه لنسعد ويسعدوا بهذا الشموخ في بلد الشموخ، وإلى مستقبل أكثر إشراقاً بإذن الله تعالى.
نعم، قد نكون أتينا في زمن ما، من ثغرات في نسيجنا الإعلامي، ولكننا اليوم نبدو أكثر قدرة على أن نتفاءل برتق كل ثغرة، وسد أي فجوة، فنحن إذا عقدنا العزم توكلنا على الله، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|