Tuesday 13th January,200411429العددالثلاثاء 21 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يتربع سدوس فوق حوض ماء ضخم يسمى المنجور يتربع سدوس فوق حوض ماء ضخم يسمى المنجور
سدوس الماضي العريق

  5/2 حلقات يعدها:
سعود الشيباني
استعرضنا في الحلقة السابقة موقع سدوس وأهميته على خريطة الوطن، وكذلك ما يتمتع به من شعاب وأودية متنوعة ثم تطرقنا لما يتمتع به من مناخ متميز على مدار العام.
وفي هذه الحلقة نواصل رصد المسيرة من خلال قراءة دقيقة للموارد المائية وطبيعتها وتطور النمو السكاني فيها قديماً وحديثاً ونطرق إلى الأسر في هذه المنطقة قديماً وحديثاً.
أودية متعددة.. وسد عملاق
يعد بلد سدوس واحداً من الحواضر الواحات الصحراوية التي اعتمدت كلياً في نشأتها ونموها وتطورها في كافة المجالات طوال تاريخها على ما يتوفر فيها من موارد مائية محددة ورغم محدوديتها فإنها تعد من أوفر حواضر وادي وتر في تلك الموارد لكثرة أوديتها ولوجود سد يساعد في إمداد البلد بكمية من المياه لمدة يحدد طولها أو قصرها كمية السيول التي يختزنها السد.
وأهم موارد المياه الموجودة في سدوس حالياً هي: مياه الأمطار، والمياه الجوفية السطحية والمياه الجوفية العميقة ومياه شبكة الري.
من المعروف ان مياه الأمطار تعتبر المصدر الرئيسي لجميع الموارد المائية. والمقصود بمياه الأمطار هنا هي تلك المياه التي تجري في أودية وشعاب وروافد وسهول حوض سدوس والتي تتجمع كمية منها في السد أو منخفضات الأودية على شكل غدران تطول مدة حفظها للمياه وتقصر تبعاً لدرجة الحرارة التي تساعد على التبخر، وذلك على قدرة نفاذية أو تماسك ارضية السد والغدران. وأهم غدران سدوس هو غدير الصفير غرب سدوس وأسلفنا القول بأن المعدل السنوي للأمطار في سدوس يتراوح ما بين 100 - 150 ملم، وكان لتفاوتها تأثير على كمية المياه الجوفية المتجمعة في التكوينات الرسوبية التي تنتمي إلى الزمن الجيولوجي الرابع أو في فراغات وشقوق الصخور الجيرية التابعة لتكوين حنيفة أو تكوين طويق ولموقع سدوس في المنطقة المدارية الجافة تأثير ملحوظ على قلة أمطاره التي تتفاوت في كميتها من عام لآخر وعندما تهطل يكون جريانها في الغالب قوياً وسريعاً، لذا فإن الاستفادة منها لسكان سدوس وحزوى بهذا الشكل محدودة.
ولهذا اهتم سكانها قديماً بعمل الحواجز للسيول والقنوات المسماة بالوظائم وهي قنوات ترابية تمر معها السيول من الأودية إلى المزارع لتساعد هذه القنوات في ري المزارع وفي تزويدها بالترسيبات الطميية، ثم تسهم في رفع منسوب المياه الباطنية السطحية وأهم الوظائم أو الخزائم في سدوس هي: وظيمة البطحاوية ووظيمة أم أثيلة ووظيمة القرنة ووظيمة ابن سعد ووظيمة الحديانية.
المياه الجوفية
توجد هذه المياه، حيث تكثر تجمعات الرواسب الحصوية والرملية الخشنة التي تراكمت خلال الزمن الجيولوجي الرابع، حيث تختزن هذه التجمعات المياه لما تتميز به من نفاذية عالية تخترقها المياه لتختزن في جوفها وقد اعتمد سكان سدوس على هذه المياه في الماضي لقربها من السطح وليسر وسهولة الوصول اليها بوسائل الحفر اليدوية وهذه المياه كمياتها قليلة قد تنفد أو تقل إلى درجة تؤثر تأثيراً ملحوظاً على الزراعة إذا لم تهطل سنوياً أو كل عامين على الأكثر، حيث تتغذى هذه المياه من جريان الأودية ومن مياه الري التي تغمر الأراضي الزراعية ومن السد والغدران.
وتتميز هذه المياه بالتغير في مذاقها فمنها المياه العذبة ومن الآبار العذبة مياه البئر المسماة الرفيعة ومنها المياه المالحة، ويعتمد على الآبار اعتماداً كلياً لاستخراج هذه المياه.
ومياه هذه التكوينات أكثر من مياه التكوينات الرباعية وتكون هذه المياه أوفر إذا صادف الحفر شقاً أو فجوة أو تجويفاً مملوءاً بالمياه وقد يحفر بئران ارتوازيان متقاربان بعمق واحد ويتوفر بأحدهما مياه بينما لا يصادف الآخر منها شيئاً لعدم مصادفته لشقوق أو غيرها من خزانات المياه الأرضية. ويتراوح عمق الآبار التي تصل لهذه المياه ما بين 120 إلى 200 متر وزادت في السنوات الأخيرة أعمال الحفر للوصول لهذه المياه وهي تسهم اسهاماً كبيراً في تغطية الاحتياج في مجال الزراعة في سدوس كثيراً.
تكوين المنجور
يتربع سدوس فوق حوض ماء ضخم يسمى تكوين المنجور إذ تقدر كمية المياه المخزونة فوق مستوى سطح البحر بحوالي 000 ،600 مليون متر مكعب، أما مخزونه تحت سطح البحر فهو أكثر من ذلك وحدد عمر مياه هذا التكوين بحوالي 25 ألف سنة وتبلغ درجة حرارة مياهه نحو 50ْم ويتراوح عمقه تحت بلد سدوس بين 1000 إلى 1300 متر من سطح الأرض ويتراوح سمك طبقاته بين 350 إلى 490 متراً وهو تكوين رملي خشن متكون من طبقتين رئيستين هما: المنجور الأعلى والمنجور الأسفل وحتى الآن لم تتم عمليات الحفر للاستفادة من مياه هذا التكوين في سدوس.
مياه شبكة الري
قامت وزارة الزراعة والمياه بايصال شبكة ري لسدود وحزوى عام 1416هـ، وقد تم تشغيل وضخ المياه من مشروع سدير والشعيب إلى سدوس وحزوى للاستفادة منها في الشرب، وذلك بعد ان تم ايصال الشبكة إلى جميع المباني فيهما قبل ذلك بعدة أعوام.
التربة
تربة سدوس تتشكل بصفة عامة من تربة مصاطب وادي وتر وروافدة التي يرجع تاريخها إلى عدة آلاف من السنين، حيث كانت الأمطار أكثر مما هي عليه الآن وتكونت تلك التربة من تفتت الصخور الجيرية لتكوين وادي حنيفة وطويق بالإضافة لتكوين جبيلة وتحتوي تربتها على كربونات الكالسيوم وتعرضت للغسل في أماكن كثيرة على أعماق مختلفة وأضافت لها السيول طبقات من الطمي.
ويمكن ان توصف تربتها بأنها طينية اسهمت حرارة الجو وشدة التبخر في تكوين بعض السباخ «تربة ملحية» مثل تربة البطين وما حوله. علماً ان حسن تنظيم الاستفادة من مياه السيول ساعد على عملية غسل التربة في بعض المزارع إلى حد كبير. وتربة سدوس بوجه عام تربة جيدة تعد من افضل أنواع الترب الصالحة لنمو كثير من أنواع الحاصلات الزراعية وتزداد خصوبتها مع استعمال الأسمدة.
النباتات
استطاعات نباتات سدوس الطبيعية ان تتكيف مع ظروف البيئة من قلة أمطار وجفاف الهواء والاشعاع الشمسي الدائم والرياح والعواصف الترابية. وتؤثر كمية الأمطار ونوعية التربة على كثافة ونوعية النباتات الطبيعية فمجاري الأودية والشعاب والروافد تحتضن أغلب النباتات والأعشاب.
كما ان بعض أنواع التربة غني بالنبات والبعض الآخر فقير علماً أنه توجد مساحات واسعة من الأراضي خالية من أي نبات عدا بعد سقوط الأمطار ونمو النباتات الموسمية وتنقسم النباتات الطبيعية في سدوس إلى:
نباتات دائمة
وهي النباتات التي استطاعت التأقلم مع البيئة، وهي التي اعتمدت على جذورها الطويلة للحصول على الرطوبة من مساحات بعيدة من باطن الأرض.
ومن أهم النباتات الدائمة في سدوس: الطلح، الاسم العلمي لشجر الطلح هو «أكاسيا»، وهي أشجار معمرة عظيمة الارتفاع قياساً بالأشجار الصحراوية الأخرى إذ يبلغ ارتفاعها ما يقارب سبعة أمتار.
ولمعظم الطلح ساق واحد سميك. ويتناثر الطلح في مجاري الأودية في سدوس بأحجام مختلفة وأشهر أنواع الطلح في سدوس وحزوى هو الرميثي والسيالي.
اللصف: نبات مداد ينمو في المناطق الصخرية وله أوراق خضراء شمعية دائمة الخضرة وله ثمار كمثرية الشكل عندما تنضج تتحول إلى اللون الأحمر وتتفتح وتتغذى عليها الطيور والحيوانات والحشرات ويميل بعض الناس إلى أكلها.
الشفلح: قريب الشبه باللصف ولكن أوراقه أقل خضرة ولونها باهت وهي شمعية الأوراق تنمو في الأراضي المنبسطة وحول الآبار.
الحرمل: شجيرات لا يتجاوز ارتفاعها متراً واحداً وتمتد على مساحة واسعة من الأرض قد تصل إلى ثلاثة أمتار وأوراقها طويلة خضراء، وتتقارب من بعضها وتنتشر على مساحة كبيرة نسبياً وتجتمع حول سيقانها كمية من الرمال ويستخرج من الحرمل بعض الأدوية.
قرضي: وأحدها قرضية وهي شجرة يصل ارتفاعها ما بين متر إلى متر ونصف وذات أغصان خضراء وأوراق صغيرة.
الشيح: وهو نبات عطري وطبي.
العرفج: وهو نبات عطري طيب الرائحة ذو زهور صفراء.
العاقول: نبات شوكي ذو أوراق صغيرة وثمره بعد جفافه يصبح أسود بحجم ثمرة الفول السوداني.
الشبرم: نبات شوكي ذو زهور بنفسجية.
هذه أهم الأشجار والشجيرات المعمرة التي تعيش في بيئة سدوس الطبيعية.
النباتات الموسمية:
وهي النباتات والأعشاب التي تنمو بعد هطول الأمطار وتمتد دورة حياتها لفترة موسمية قصيرة ومنها: أذان الحمار والبختري والبروق والبسباس والبعيثران والبقراء والثغام والثمام والشيل والجرجير البري والجعد والحسك وغيرها كثير.
الحيوانات البرية
كانت الحياة الحيوانية الطبيعية في سدوس في الماضي افضل مما هي عليه الآن فكانت قطعان الغزلان والوعول والماعز الجبلي وغيرها من الحيوانات البرية الأخرى تشاهد في شعاب سدوس ثم بدأت تتناقص تلك الحيوانات خلال خمسين عاماً مضت ووصل هذا التناقص لدرجة انقراض بعضها. وأهم الحيوانات البرية في سدوس هي:
الوعول «الماعز الجبلي» والغزلان والأرانب والوبر والذئاب والضباع والثعالب والقط البري والضربون والجرابيع والنيص والتفتة والضب والورل والثعابين.
الطيور
في سدوس أعداد كثيرة من الطيور المهاجرة والمستوطنة أهمها: العقاب والصقر والنسر والحدأة والرخم والحمام بأنواعه والحجل والقطا والهدهد والغراب والقنبر والقوبع والبلابل والحمر والقراقر والغرانيق والخواضير والصفاري والشوال والعصفور المحلي، وغيرها من الطيور.
النمو السكاني
سدوس واحة استقرار بشري موغلة في القدم وعلى الرغم من عدم توافر معلومات كافية عن تاريخ ذلك الاستقرار إلا اننا نرجح قدمه لعوامل عدة أسهمت في ذلك الاستقرار أهمها توفر المياه ثم جودة التربة، وقربها من أهم الطرق في وسط الجزيرة العربية ثم وجود مناطق رعوية وغابات تعتبر جيدة في الشعاب والأودية المحيطة بها وكذلك القصر القديم الذي ينسب بناؤه لسليمان بن داوود عليهما السلام والذي كان موجوداً في حي المنارة في سدوس وكذلك الكتابات القديمة على حجرين والتي عثرت عليها جامعة الملك سعود في سدوس في التسعينيات من القرن الماضي ونقلتهما لمتحف الجامعة بالرياض.
كما أن أول استقرار ذكرته المصادر التاريخية في المنطقة هو لقبلية هزان الأولى البائدة ثم تلاها استقرار قبيلتي طسم وجديس قبل الميلاد وكان نفوذ طسم يشمل بلاداً واسعة منها سدوس.
ثم سكن المنطقة بنو سدوس بن شيبان من بني ذهل وبنو حنيفة والجميع من بكر بن وائل وكان استقرارهم فيها قبل الإسلام بقرنين من الزمان تقريباً. وفي صدر الإسلام استجاب بنو سدوس لنداء الحق واشتهر بعض الصحابة السدوسيين وبعد ان ارتد بعض بني حنيفة ومن جاورهم شاركوا في حروب الردة في العام الحادي عشر الهجري التي حدثت بالقرب منهم في ملهم ويعرضة والهدار وعقرباء في جيش مسيلمة.
ثم بعد صلح خالد بن الوليد مع بني حنيفة لم تدخل سدوس في ذلك الصلح مما تسبب في أسر كثير من أهلها وترحيلهم للمدينة المنورة، وهذا الإجراء مع حروب الردة ساعد على تخلخل سكان سدوس ونقصهم ثم قامت بعد ذلك بحوالي خمسين عاماً في بوضة دولة زعيمها نجدة بن عامر الحنفي واتسعت دولته وشملت البحرين والطائف وحضرموت واليمن وكانت عاصمتها بوضة وهي على مقربة من سدوس مما ساعد على الاستقرار والنمو السكاني في سدوس في ذلك الحين.
وسدوس كبقية الحواضر النجدية تتعرض لتخلخل بشري إذ تؤثر سنوات الجدب والجفاف والأمراض والحروب والهجرات خصوصاً مع الفتوحات الإسلامية على عدد السكان فيتناقصون ويهاجرون بشكل شبه جماعي لتلك المناطق المفتوحة وبقيت سدوس عامرة بالسكان والزراعة ومن أواخر من تكلم عنها ياقوت الحموي المتوفى في الربع الأول من القرن السابع الهجري ويظهر انها بعد ذلك التاريخ بدأت في العد التنازلي في عدد سكانها إلى ان هجرت تماماً وبقيت عبارة عن أطلال مبان وآبار معطلة وفي عام 850هـ وبعد شراء حسن بن طوق التميمي للعيينة من آل يزيد من بني حنيفة ضم سدوس لنفوذه.
وبدأ سدوس عهداً جديداً من النمو السكاني من ذلك العام وبعد سقوط الدولة السعودية الأولى عام 1233هـ انتقل بعض سكان الدرعية الذين انتقلوا إليها من العيينة إلى سدوس واستقروا فيها، وحينما تكلم لوريمر عن سدوس ذكر ان عدد منازله 160 منزلاً ثمانون منها لآل معمر وعشرون لسبيع وستون لبقية السكان وحزوى، كما ذكر ان منازلها تبلغ 25 منزلاً عشرة لبني تميم وثمانية لبقية السكان وستة لسبيع.
ولقد تناوبت وتتالت على سكان سدوس عدد من القبائل والأسر خلال تاريخها الطويل، ولسهولة معرفة ذلك سنقسمه إلى فترتين:
الفترة الأولى: لقد أشرنا إلى القصر القديم الذي نسب لسليمان بن داوود عليهما السلام والنقوش القديمة التي عثر عليها في سدوس والتي يقدر عمرها بين 2000 إلى 3000 عام تؤكد هذه الأشياء قدم الاستقرار في سدوس.
وإن كنا لم نستطع تحديد القبائل والأسر التي سكنتها خلال تلك الفترة وكانت قبيلة هزان الأولى ضمن من سكنوا المنطقة قبل الميلاد ثم تلتها قبيلتا طسم وجديس وقبل ظهور الإسلام بقرنين من الزمان تقريباً استوطن بنو ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن بكر بن وائل اجداد بني سدوس المنطقةوعرفت بقرية بني سدوس، وأشهر من استوطن سدوس هم بنو سدوس بين شيبان بن ذهل فهم أهلها وسكانها وعرفت فيما بعد باسمهم إلى اليوم وينسب لقرية سدوس جماعة فيقال لأحدهم القروي ولا أدري هل هم من بني سدوس أو من أسر أخرى سكنت القرية مع بني سدوس ثم نسبوا اليها وغالب الظن انهم من بني سدوس وانتقل اغلب بني سدوس مع الفتوحات الإسلامية إلى العراق والشام وغيرها من البلدان التي امتد اليها الحكم الإسلامي ثم ساهمت العوامل الطبيعية والبشرية في خلو سدوس من سكانها في القرن الثامن الهجري تقريباً.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved