Tuesday 13th January,200411429العددالثلاثاء 21 ,ذو القعدة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حديث، غير كُرَوي، عَنِ الكُرة حديث، غير كُرَوي، عَنِ الكُرة
أنور عبدالمجيد الجبرتي

* ينصح العقلاء أن يتجنب الراشدون الحديث في موضوعين: المرأة وكرة القدم.
* كلا الموضوعين حقل ألغام تتحكم فيه العواطف والمواقف المسبقة، لا يسمحون لك أن تكمل جمْلتَك ويسارعون إلى تصنيفك في مُعَسْكَر أو آخر، ويستعصرون كلماتك استعصاراً للحُكْم على نواياك المبيتة وأهدافك المبطَّنة.
* إذا تحدثت في الموضوعين أو أحدهما، فستجد حُكَّاماً كُثُراً يطلقون الصافرة مع تردد أنفاسهم، فَتَصْرف جهدك، وتهدر تركيزك، بعيداً عن «اللعب» و«المحاورة»، وتسديد الأهداف، لأنك تحاول تجنب، كل «فَاوْل»، و«ضربة» رُكنيَّة، و«الكروت» الصفراء والحمراء، والطرد من «المباراة»، وحتى الحرمان من اللعب «كلِّية»، وربما تحمد الله في النهاية، لأنك خرجت سالماً، فلم تُصبْك بيضة فاسدة، أو طماطم خمجة، أو زجاجة عصير طائشة.
* لكنني لا أتقيد دائماً بالنصائح التي اسمعها للأسف، ولعلَّني، هنا، لا أخالفها تماماً، لأنني، أحاول، الحديث حديثاً غير كُرَوي عن الكُرَة، ولأنني لا أتحدث عن الكرة «المحلية» بالتحديد، فالحديث عن المواضيع «الإقليمية» والدولية، أكثر سلامة، وغالباً ما يجد بعضنا تمويهاً جيداً، عندما نغلف الحديث عن شؤون محلية، بغلاف «العالم العربي» وغلاف «العالم الثالث»، وأغطية عديدة كثيرة لا تنفد.
* استمعت إلى صوت المعلق الرياضي الكويتي الحرْبان، وهو يعلق على مباراة منتخب الكويت مع البحرين، كان صوته حزيناً متألماً، وهو يرى الأهداف الأربعة تخترق الشباك الكويتية، وانتابني شيء من الحزن على تغير الأحوال، ودوران الزمان وتذكرت الدورة الخليجية الأولى في البحرين، عندما كان أداء منتخبنا وتصرفات لاعبينا تثير شيئاً أكثر من الحزن.
لكن الأمور مختلفة الآن، فنحمد الله على تلك.
* أصبحت الأمم تحزن، لإخفاق منتخباتها الوطنية، كما كانت تحزن لاخفاقات جيوشها. والمنتخب الوطني عادة يلعب أمام الاحداق الوطنية المحملقة، ويقف احتراماً للعَلَمِ، ويردد كلمات النشيد الوطني، قبل خوض «المعركة» واستطاع الإعلام تكنولوجياً وتناولاً، أن يعبىء المشاعر الوطنية تجاه المنتخبات، ويعمّق حساسيات الإخفاق وتبعاته، ويعقد تفسيراته عند شريحة كبرى في المجتمعات، سواء كانت متابعة للأحداث الكروية، أو كانت بعيدة عنها.
* في التاريخ السياسي الكروي وقعت أحداث حرب معروفة بحرب «الفوت بول»، بين هندوراس والسلفادور، بسبب اشتباك كروي وحدثت وتحدث توترات واحتجاجات وانسحابات، بسبب تأزمات كُرَوية هنا وهناك.
* غالبا ما تؤدي هزيمة قاسية للمنتخب الوطني، إلى مراجعات شاملة للوضع الكروي، ووضع الرياضة عموماً، وإن كانت ردة الفعل الأولى لإرضاء الجماهير، هي فصل المدرب، وشجب الإداريين.
* لكن المنافسات بين الأمم، في المجال الرياضي تعكس أموراً، وتثير قضايا تتجاوز القطاع الرياضي، إلى الأبعاد المجتمعية والثقافية والاقتصادية وحتى السياسية.
* الحكمة المعاصرة تقول: إن الأمم تلعب وتتنافس رياضياً، بنفس الطريقة التي تمارس بها حياتها، وتنظم شؤونها، وتكسب رزقها.
* والمشاهدة والمتابعة تشيران، إلى أن النشاط الرياضي الوطني في المجتمعات الحديثة، أهم وأخطر من أن يترك للمسؤولين عن قطاع الرياضة، كما أن الإنصاف والعدل يقتضيان، ألا نلومهم وحدهم على الإخفاقات والتراجعات، ونغفل عن الإطار المؤسسي، والمجتمعي، والاقتصادي، والتنظيمي، الذي تقرر المجتمعات، ممارسة أنشطتها الرياضية من خلاله.
* لاعبو المنتخبات لا يهطون فجأة من السَّماء، ولكنهم استمرار لنَسَقٍ وممارسةٍ، تمتد بجذورها إلى المدرسة والحارة والجامعة، وتستند إلى ثقافة المنافسة والإنجاز، واحترام الجهد، وتستعين بموارد اقتصادية، توفرها الدولة، أو تمولها اقتصاديات الإعلان والترويج، في إطار تخصيص مستنير، تتوفر له أسباب النجاح.
* انتهى عهد اللعب في «الحارات» الضيقة، وذهب زمن الكرة المصنوعة من «الشراريب» الممزقة، جاء زمن الفضائيات، وسيطرة الإعلان وثروته، والقواعد الجماهيرية الهادرة في الساحات والشوارع، وأمام شاشات التلفزيون، ترتهن مشاعرها إلى «وطن» يلعب، وترفض جميعاً أن يكون من الخاسرين.
* هل نجرؤ إذن على القول بأن «الكرة» هي مجرد موضوع كروي؟.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved