|
| ||
من المعروف أن للزمان قسوة ربما تجاوزت حدود اللامعقول في بعض الأحيان ففي فترة من فترات تاريخنا مر بأهل البلاد شيء من العوز والحاجة للقمة العيش ولكن هذا لم يخضعهم لذل السؤال أو يحط من قيمهم عند الآخرين إذ كانوا أقوياء أشداء أشد من زمانهم، يحصلون على هذه اللقمة بقوة الزند والسلاح عندما يتطلب الأمر ذلك، وفي أثناء تلك الفترة كان هناك مجموعة من رجال قبيلة عنزة وبالتحديد من ولد سليمان اتخذوا الغزو سبيلا للحصول على لقمة العيش رغم ما يمر بالناس من فقر مدقع إذ تتالت الدهور وهلكت الماشية ونفدت من أيدي الناس، ومعنى ذلك ان الغازي للحصول على الماشية لن يجد عند الآخرين ما يشفي غليله ويبرد ظمأته، قلت ان هؤلاء القوم ساروا من أهلهم بقصد الغزو على قبيلة مناوئة لهم لغرض الكسب من ماشيتهم وفي أثناء طريقهم مروا بأرض قوم من قبيلة عنزة أيضا فاراد الغزاة أن يضيفوا على اقرب بيت يواليهم لأنه لا يحق لهم بالعرف القبلي تجاوزه وضيافة غيره من البيوت المتناثرة هنا وهناك طالما أنهم أرادوا الضيافة فأناخوا ركابهم عند البيت الموالي لهم وهو من أكبر البيوت الموجودة في هذا النزل مما يوحي لهم بأن صاحب البيت من أغنياء النزل أو من أشهرهم مكانة، قلت النزل ولم أقل الحي لأن البادية عندما يحطون رحالهم في الصحراء يقال لهم نزلوا أو نزل آل فلان ولا يطلق عليهم في هذه الحالة كلمة حي لأن الحي عند العرب مجموعة من المنازل المبنية من الطين أو ما شابهه المهم أنهم أضافوا على أهل البيت الموالي لهم وكان في لحظتها صاحب البيت غير موجود إذ يقوم أو يغيب عنه برحلة بعيدة ربما كانت للتزود بالطعام، وكان الموجود بالبيت ربته فقط التي رحبت بالضيوف وادخلتهم لمجلس الرجال واحضرت أواني القهوة ووقود النار وعادت لتبحث لهم عن شيء تقدمه كغذاء لهم ولكن مساعيها فشلت إذ كل المحيطين بها على شاكلتها وعادت لبيتها وضيوفها وهي تتجرع الحسرة على عدم توفر أي شيء لها تقدمه.. لضيوفها الذين لم يضيفوا عندها إلا لتناول الطعام وامام هذا العجز سكبت دموعها على خديها كوابل المطر فانتبه رئيس القوم المدعو صياح المرتعد لما جرى لمضيفته وقال لماذا البكاء قالت: صاحب البيت غائب في رحلة بعيدة والمرأة حضرتها ما فيها بركة تقصد نفسها لانها تعجز من القيام بواجب الضيوف إذ لم يتوفر في بيتها ما تقدمه لهم. |
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |