في وسط القرن العشرين نادى الكثير بتحرير المرأة العربية ولاسيما المحسوبين على التوجه العربي وقد استطاع الاستعمار احتضان هؤلاء وتنمية هذه الروح عندهم لأنها تحقق أهداف الفلسفة التي يؤمن بها وقد ركز هؤلاء في دعواتهم على انسلاخ المرأة العربية عن قيمها وعاداتها وتقاليدها وجعلها تعيش على نفس النمط الغربي وكأن المرأة لا يمكن أن تتطور إلا من خلاله ونسوا أن أية امرأة لا بل أي الإنسان سواء كان ذكراً أو أنثى له فطرته البشرية التي تناسبه ويصعب على أي فكر أن ينقله بسهولة إلى فكر آخر فالمرأة في المجتمع الإسلامي كرمها الله بفطرة سوية مثالية ممكن أن تكون فطرة البشرية جمعاء لو أحسن استخدامها والتعامل معها بعقلية واعية وهذا لايتم إلا من خلال الفكر الإسلامي الذي يستمد توجهه من كتاب الله وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كفل للمرأة كل شيء وأعطاها حقوقها كاملة فحقوق الوالدين لها نصيب فيها كما قال الله سبحانه وتعالى {وّقّضّى" رّبٍَكّ أّلاَّ تّعًبٍدٍوا إلاَّ إيَّاهٍ وّبٌالًوّالٌدّيًنٌ إحًسّانْا} كذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سُئل: من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال أمك، ثم قال أمك، ثم قال أمك، ثم قال أبوك، ما أعظمه من تكريم بل إن هذا هو ميثاق حقوقها وكرامتها وعفتها ولكن دعاة تحرير المرأة لم يهدفوا في طروحاتهم الجانب الأخلاقي للمرأة إنما هدفهم في ذلك هدمه وإحلال بدلا عنه الجانب اللاأخلاقي الذي ينقل المرأة إلى مجتمع الرذيلة والإهانة لأنه لو كان هدفهم تعليم المرأة وتوظيفها فالإسلام كفل لها ذلك وفق الضوابط الشرعية التي تحفظ لها مكانتها فنظرة إلى التجربة السعودية التي تعتبر الرائدة على مستوى العالم بأسره التي تبنت استراتيجية تحترم خصوصية المرأة وكانت ثمرة ذلك المئات من الكليات التي تضم بين جنباتها مختلف التخصصات الإنسانية والعلمية والتطبيقية التي انخرط فيها الآلاف من الطالبات وتخرجن منها بعيداً عن الاختلاط علماً بأنهن استفدن من كافة العقول العلمية فتجربة التعليم بواسطة الدائرة التلفزيونية المغلقة بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس من الرجال قائمة وهذا يعزز الفكرة العلمية والبحث عنها عند عضو هيئة التدريس سواء كان رجلاً أو امرأة إذن هذا النوع من التعليم لم يحرمهما من الاستفادة من هذه العقول بحجة عدم الاختلاط هذا ولم يتوقف تعليم المرأة على التعليم الجامعي فقط بل وصل إلى درجتي الماجستير والدكتوراه حيث معظم أعضاء هيئة التدريس في هذه الكليات من السعوديات كذلك توسعت القاعدة لتشمل المراكز القيادية في تعليم البنات حيث معظم اللاتي يشرفن على تعليم البنات هن من النساء وقد وصل البعض منهن إلى درجة وكيلة مساعدة في إدارة التعليم العالي أيضاً ولا سيما أعضاء هيئة التدريس من النساء اللاتي يدرسن في الجامعات البعض منهن وصل إلى وظيفة عميدة ووكيلة للعمادة ولم يتوقف طموحهن عند هذا بل تفاعلن مع البحوث العلمية بحكم تخصصاتهن، ووصل البعض منهن إلى درجة أستاذ نتيجة لذلك وفي ظل هذه التجربة أصبحت سعودة تعليم البنات في التعليم العام في بعض مراحل التعليم 100% حتى البنوك الخاصة بالأقسام النسائية والمصالح الأخرى المشابهة هن من السعوديات فطاقم الأطباء والتمريض في المستشفيات يضم بين صفوفه الكثير من السعوديات.
وقبل أن أختم مقالتي هذه أحب أن أشير إلى نقطة مهمة قد تُغفل عند الكثير من المثقفين الذين يجهلون المرأة السعودية المتعلمة وهي اعتزازها بإسلامها وخصوصيتها التي لا يمكن التنازل عنها مهما كلفها من ثمن، مؤمنة بما يطرحه أصحاب القرار في بلدها من أفكار وتشريعات هدفها حفظ المرأة وصيانتها.
|