تطرح الولايات المتحدة في علاقاتها مع الدول الأخرى عناوين براقة حول الحريات وحقوق الإنسان وعدم التدخل في شؤون الآخرين، لكن في غضون أيام قليلة طالعتنا الأنباء أن ثلاث دول طلبت من واشنطن عدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفضلت إحدى هذه الدول مخاطبة واشنطن بالقول: «إن عليها عدم دس أنفها في شؤوننا» ووصفت مسؤولة في إدارة بوش بأنها تمثل الجهل بعينه نتيجة لما يصدر من تلك المسؤولة من سياسات.
تجيء الانتقادات المتزايدة في وقت أصبحت فيه الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم، وهو دور يتطلب منها أن تثبت للآخرين أنها عنصر سلام واستقرار، وأن تضرب المثل الأعلى في عدم التدخل لتترك الحكومات اتباع خياراتها الوطنية..
ولدولة كبرى مثل الولايات المتحدة اعتبارات استراتيجية تقتضي أحيانا وجودها في أنحاء عديدة من أقاليم العالم، لكن الهيئة التي يكون عليها هذا الوجود هي التي قد تثير الجدل والانتقاد، وبينما يكون هذا الوجود على شكل رسائل لهذه الحكومة، أو تلك، فإنه يتخذ أحيانا شكلا ماديا غير أن كل ذلك لا يستوجب التدخل السافر في شؤون الدول بالقدر الذي يحول دور الدولة العظمى من عنصر مساهم في استقرار العالم إلى أداة تقويض وهدم للسلام العالمي.
فالدعم المباشر لإسرائيل حتى وهي تعتدي بصفة يومية على الفلسطينيين وترفض محاولات التهدئة يضع القوة العظمى في موقع القوة التي تساعد على البطش والعدوان بالقدر الذي يجعل منها هي ذاتها دولة بطش وعدوان طالما أنها تقبل بالممارسات الجائرة ضد الآخرين وتتغاضى عن الظلم الواقع عليهم.. وهي القادرة على وقف ذلك الظلم البين.
وفي البرازيل وفنزويلا والأرجنتين انتقادات عديدة لواشنطن التي تلوم من جانب عدة دول في أمريكا الجنوبية لأنها توثق علاقاتها مع عدوتها كوبا، ما دعا تلك الدول إلى إطلاق سيل من الانتقادات تحذر أمريكا من مغبة التجاوزات التي تنتقل الى خصوصيات كل دولة، وهي من جانب آخر تدخل في جدل مع البرازيل التي طبقت على الأمريكيين نفس ما تطبقه الولايات المتحدة على البرازيليين وغيرهم من إجراءات في مطارات الدخول لكن واشنطن تحتج على الإجراءات البرازيلية.
|